تاريخ ومزارات

قلعة نزوى.. جوهرة التاريخ العماني وشاهد على حضارة تمتد لقرون

أسماء صبحي – تقف قلعة نزوى شامخة في قلب سلطنة عمان كواحدة من أبرز المعالم التاريخية التي تجسد عبق الماضي وعراقة الحاضر. فهي ليست مجرد بناء أثري قديم بل رمز وطني يعكس قوة الدولة العمانية وتاريخها الحافل بالبطولات والعلم والحضارة.

تعد القلعة من أهم المعالم في مدينة نزوى، العاصمة القديمة لعمان ومركز العلم والدين في القرون الماضية. ويعود تاريخ بنائها إلى القرن السابع عشر في عهد الإمام سلطان بن سيف اليعربي الذي تولى مهمة تشييدها لتكون حصنًا منيعًا في وجه الغزاة، ومقرًا لإدارة شؤون الدولة.

تاريخ قلعة نزوى

تقع القلعة في وسط المدينة القديمة بالقرب من الأسواق التقليدية والمسجد الجامع مما جعلها قلب الحياة السياسية والعسكرية في ذلك العصر. وقد اختير موقعها بعناية فائقة، حيث كانت تطل على طرق التجارة القديمة وتتحكم في مداخل المدينة. مما منحها أهمية استراتيجية كبيرة في حماية عمان من الغزوات البرتغالية وغيرها.

ويحيط بالقلعة سور ضخم من الطين والجص يشكل مع الأبراج العالية مشهدًا مهيبًا يعكس قوة العمارة العمانية في تلك الفترة.

هندسة معمارية فريدة

ما يميز القلعة هو تصميمها الدائري الفريد، الذي يبلغ قطره نحو 45 مترًا وارتفاعه أكثر من 30 مترًا، وهو تصميم غير مألوف في الحصون العربية القديمة. وتضم القلعة شبكة من الممرات والغرف والمخازن، إضافة إلى فتحات خاصة للمدافع وأماكن لمراقبة الأعداء. مما يعكس براعة المعماريين العمانيين في الجمع بين الجمال والوظيفة الدفاعية.

كما تحتوي القلعة على عدد من الآبار الداخلية التي كانت توفر المياه للجنود أثناء الحصار ومخازن ضخمة للتموين والغلال. مما جعلها قادرة على الصمود لفترات طويلة دون الحاجة إلى دعم خارجي.

رمز للهوية الوطنية

تعتبر قلعة نزوى رمزًا وطنيًا في الذاكرة العمانية، إذ شهدت العديد من الأحداث السياسية المفصلية التي أسهمت في تشكيل تاريخ السلطنة الحديث. فقد كانت مقرًا للحكام والعلماء واحتضنت جلسات القضاء والإدارة، وكانت بمثابة “بيت الحكم” الذي تُدار منه شؤون البلاد.

كما تمثل القلعة شاهدًا على النهضة الفكرية والعلمية التي عرفت بها نزوى. حيث كانت المدينة مركزًا للفقه والعلم والأدب، وخرج منها العديد من العلماء الذين أثروا الحياة الثقافية في عمان والعالم الإسلامي.

الترميم والحفاظ على التراث

أدركت الحكومة العمانية مبكرًا القيمة التاريخية للقلعة، فقامت بترميمها بعناية فائقة ضمن برامج الحفاظ على التراث الوطني. وتمت أعمال الترميم وفق معايير دقيقة تحافظ على الطابع الأثري للمكان، مع تعزيز البنية التحتية لاستقبال الزوار والسياح من داخل السلطنة وخارجها.

اليوم، أصبحت القلعة متحفًا مفتوحًا يعرض تفاصيل الحياة العمانية القديمة من خلال الأثاث التقليدي، والأسلحة القديمة، والمقتنيات التاريخية. إضافة إلى قاعات تُبرز نمط الحكم والتعليم في فترات مختلفة من التاريخ.

دور القلعة في السياحة العمانية

تعد قلعة نزوى واحدة من أهم الوجهات السياحية في سلطنة عمان. إذ تستقطب آلاف الزوار سنويًا، لما تتميز به من جمال معماري وسرد تاريخي غني.

ويحرص السياح على صعود برجها الرئيسي للاستمتاع بإطلالة بانورامية على المدينة القديمة وسوق نزوى الشهير الذي يعد من أقدم الأسواق العمانية وأكثرها حيوية. كما تقام في محيط القلعة فعاليات ثقافية ومهرجانات تراثية تُعرّف الزوار بالعادات والتقاليد العمانية، مثل الحرف اليدوية وفنون الخنجر واللباس التقليدي.

ويقول الباحث في التاريخ العماني الدكتور سالم الراشدي، إن قلعة نزوى تمثل نموذجًا فريدًا للعمارة العسكرية في شبه الجزيرة العربية، إذ جمعت بين الصلابة الدفاعية والذوق الجمالي. وأضاف أن القلعة ليست مجرد معلم أثري، بل هي “ذاكرة وطنية”، تحفظ قصص الكفاح والبناء التي خاضها العمانيون في سبيل حماية أرضهم وهويتهم. مشيرًا إلى أن الحفاظ عليها يعكس وعي المجتمع بأهمية صون تراثه للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى