تاريخ ومزارات

خطة الخداع الكبرى في حرب أكتوبر 1973.. كيف انهارت أسطورة “الجيش الذي لا يقهر”؟

أميرة جادو

لم يكن النصر في حرب السادس من أكتوبر عام 1973 مجرد إنجاز عسكري تقليدي، بل كان معجزة استراتيجية هزت العالم، وكسرت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي اعتبر لا يقهر، فقد تحقق الانتصار خلال ست ساعات فقط، بفضل خطة خداع استراتيجي نفذت على مراحل متقنة، منحت القوات المصرية عنصر المفاجأة الذي رجح كفة المعركة.

وقد أكد الخبراء العسكريون أن هذه الخطة أبهرت العالم، بعدما تمكنت من تضليل القوات الإسرائيلية وأجهزتها الاستخباراتية، لتصبح اليوم نموذجًا يدرس في كبرى الأكاديميات العسكرية.

 السرية هي السلاح الأقوى

وفي هذا الإطار، يؤكد اللواء محمد الغباشي، المحلل العسكري، أن خطة الخداع الاستراتيجي التي وضعتها القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر كانت عاملاً حاسمًا في تحقيق النصر، فقد جرى تنفيذ الخطة عبر مرحلتين أساسيتين: الأولى التحضير السري قبل اندلاع الحرب، والثانية الإجراءات الأخيرة قبيل الهجوم.

وأشار “الغباشي”، إلى أن السرية المطلقة كانت السلاح الأهم، حيث لجأت القيادة إلى استخدام “الشفرة النوبية” لتجاوز خطر الاختراق الإسرائيلي للاتصالات اللاسلكية، إذ لم يكن أحد من خارج أبناء النوبة يفهمها، هذا القرار العبقري جعل أوامر القيادة تسمع دون أن تفهم من قبل المخابرات المعادية، ما وفر تأمينًا كاملًا لقنوات الاتصال.

تحطيم خط بارليف

كما أكد “الغباشي”، أن خط بارليف كان يعد أقوى خط دفاعي في العالم، لكن الحل جاء من المقدم مهندس باقي زكي يوسف وفريقه، الذين ابتكروا فكرة استخدام مضخات المياه لشق الثغرات في الساتر الترابي الضخم، وقد جرى استيراد المضخات سرًا تحت غطاء شركة مقاولات تعمل في السد العالي، ثم نقلت بحذر إلى مواقعها على الجبهة.

ولإخفاء التدريبات، اختارت القيادة أماكن نائية بعيدًا عن أعين الاستطلاع الإسرائيلي، حيث تدرب الجنود في قنوات مائية داخلية وأفرع النيل. ومع اقتراب ساعة الصفر، تضاعفت عمليات التضليل، فاختير يوم الهجوم في السادس من أكتوبر، المتزامن مع “عيد الغفران” في إسرائيل، حين تتوقف الحياة بالكامل، أما الجانب المصري، فقد استفاد من كون الجنود صائمين في شهر رمضان، مما عزز عنصر المفاجأة لدى العدو.

كما نفذت القوات عمليات تعبئة متكررة أعقبها فضها دون أي هجوم، حتى اعتاد الإسرائيليون على ذلك، ففقدوا الحذر، إضافة إلى إجراءات مضللة كإعلان رحلات عمرة وتسريح دفعات من الجنود، بما عزز الاعتقاد بأن الجيش غير مستعد لأي مواجهة.

عقيدة النصر أو الشهادة

وفي السياق ذاته، أفاد اللواء أركان حرب الدكتور محمد الشهاوي، رئيس أركان الحرب الكيميائية الأسبق، بإن حرب أكتوبر كانت وسام شرف على صدر كل مصري وعربي، بفضل إيمان الجندي المصري بعقيدة “النصر أو الشهادة”، موضحًا أن الخطة اعتمدت على دراسات دقيقة لحركة المد والجزر وسرعة التيار في قناة السويس، ما سمح بتحديد التوقيت الأمثل للعبور.

كما جرى اختيار يوم طويل نسبيًا، نصفه مضاء بالقمر لتسهيل تركيب الكباري، ونصفه مظلم لتأمين العبور، أما ساعة الصفر فكانت في الثانية ظهرًا، وهو توقيت لم يكن في الحسبان.

التعبئة المستمرة

وأشار “الشهاوي”، إلى أن القوات المسلحة لجأت إلى تعبئات متكررة دون شن عمليات حقيقية، حتى اعتقدت إسرائيل أن أي تحرك مصري ما هو إلا تدريب روتيني. بل تم الإعلان في الصحف عن تنظيم رحلات عمرة في رمضان، وزيارة وزير الدفاع الروماني للقاهرة بعد أيام من اندلاع الحرب، مما عمّق حالة الاطمئنان لدى العدو.

وفي صباح السادس من أكتوبر، ظهر الجنود المصريون على الضفة الغربية للقناة في حالة استرخاء تام، الأمر الذي رسخ لدى الإسرائيليين قناعة بعدم وجود نية للهجوم.

حرب الاستنزاف

كما شدد “الشهاوي”، على أن حرب الاستنزاف، التي استمرت 1041 يومًا، كانت المدرسة التي كسر فيها حاجز الخوف، وارتفعت خلالها الروح المعنوية للجنود المصريين، فقد كانت التجربة العملية التي أهلت الجيش المصري لخوض معركة العبور بنجاح ساحق.

واختتم “الشهاوي”، بقوله إن القوات المسلحة المصرية اليوم أقوى مئة مرة مما كانت عليه في 1973، مستشهدًا بحكمة الملك تحتمس الثالث: “إذا أردت السلام فتهيأ للحرب”.

عنصر المفاجأة

ومن جانبه، أكد اللواء حلمي زكي، أحد أبطال الحرب، أن الرائد أحمد نبيه يعد من الأبطال المجهولين، إذ ساهمت خطته في الخداع بتحقيق عنصر المفاجأة الذي رجح كفة النصر.

ولفت “زكي”، إلى أن الخطة تضمنت إشاعة بيانات اقتصادية وهمية توحي بتدهور الاقتصاد المصري، ما دفع مؤسسات دولية إلى خفض تصنيف مصر، في حين ساهمت الإجراءات الاجتماعية كرحلات العمرة في صرف الأنظار عن أي استعداد عسكري.

كما تضمن الخداع الصحي إشاعات عن انتشار وباء في مستشفيات الإسماعيلية وبورسعيد، ما أوحى بانشغال الدولة بأزمة صحية، أما الدبلوماسي، فتمثل في دعوة شخصيات أجنبية بارزة لزيارة القاهرة بعد موعد الحرب مباشرة، بما في ذلك الأميرة مارجريت ووزير الدفاع الروماني.

وفيما يتعلق بالخداع العسكري، فكان من خلال تعبئة واسعة للجنود، أعقبها تسريح مفاجئ لدفعات منهم، وهو ما عزز ثقة العدو بعدم وجود خطة للهجوم.

وأرف اللواء زكي، أن وحدات الجيش شاركت في أنشطة مضللة صباح السادس من أكتوبر، مثل إقامة مباراة كرة قدم وصيد الأسماك على القناة، لإيهام العدو بأن اليوم لا يختلف عن أي يوم اعتيادي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى