كنوز معمارية منسية في السويس.. قصر محمد علي وقصر شحاتة سليم يجسدان عبق التاريخ وروعة الفن
تضم محافظة السويس العديد من المواقع السياحية والتراثية التي تعكس عراقة هذه المدينة رغم مساحتها الصغيرة وعدد سكانها الذي لا يتجاوز المليون نسمة، لكنها تظل مليئة بالجمال والأصالة، وتعد هذه المدينة الساحلية من أهم المدن ذات البعد الاقتصادي في مصر، كما تحتفظ في قلبها بتحف معمارية لا تزال شاهدة على مراحل هامة من تاريخ البلاد.
تاريخ قصر محمد علي باشا وقصر شحاتة سليم
وفي هذا الصدد قال الدكتور محمد فوزيس أستاذ التاريخ في جامعة مطروح، أن من بين التحف البارزة في محافظة السويس قصران يحملان طابعاً معمارياً مميزاً، هما قصر محمد علي باشا وقصر شحاتة سليم، حيث أصبح كل منهما مزاراً سياحياً هاماً يقصده الزائرون لاكتشاف ما تحمله جدرانهما من قصص وأسرار، وما تزخر به تفاصيلهما من فن ودقة في التصميم.
كما أوضح أن قصر شحاتة سليم يقع في قلب شارع الجيش عند تقاطع شارعي 23 يوليو وخالد بن الوليد، أما قصر محمد علي فيطل مباشرة على ساحل ميناء الخور القديم، ويعود تاريخ إنشائه إلى عام 1811، عندما قرر محمد علي بناءه ليكون مقراً له أثناء إعداد الحملات العسكرية.
وأكد أن قصر شحاتة سليم يمثل نموذجاً فريداً يجمع بين العمارة الإسلامية واللمسات الأوروبية، وقد تم بناؤه عام 1928 على يد مجموعة من المعماريين والفنانين الإيطاليين، ويعكس القصر طابعاً فريداً يظهر من خلال الزخارف الراقية والتماثيل الرائعة التي تزينه، ويضم القصر طابقين وحديقة فسيحة محاطة بسور من الحديد الخالص الذي تم تركيبه دون استخدام اللحام، وهي طريقة مميزة استخدمها الإيطاليون والفرنسيون في مشروعات شهيرة مثل برج إيفل وكوبري إمبابة.
كما أفاد أستاذ التاريخ بجامعة مطروح أن محمد علي باشا بنى قصره ليكون مركزاً لقيادة العمليات العسكرية، حيث اجتمع داخله مع أبنائه طوسون وإبراهيم لتخطيط الحرب، وتحتل القاعة الرئيسية التي تقع أسفل القبة الخشبية مكانة خاصة في ذاكرة التاريخ العسكري المصري، ويتكون القصر من طابقين تعلو أحدهما القبة الشرقية المصنوعة من الخشب.
يذكر أن الطراز المعماري لقصر شحاتة سليم يمتاز أيضاً بوجود تمثالين لنسرين مجنحين تحت شرفات القصر، يعكسان مدى الإبداع الفني والدقة التي ميزت العمل المعماري آنذاك، وتزين واجهات القصر الخارجية مجسمات لطائر ناشر جناحيه على نوافذ الطابق الأرضي، بالإضافة إلى الزخارف النباتية والإسلامية والقبطية التي تملأ المكان.
وتم تشييد أرضيات وسلالم الدور الأرضي من الرخام، بينما صُنعت سلالم الدور العلوي من الخشب، واستخدم درابزين من النحاس الخالص بتقنيات متطورة، كما جرى تزيين الأسقف بزخارف من الجبس من تنفيذ فنانين إيطاليين محترفين، ما أعطى القصر طابعاً فخماً ومتفرداً.
أهمية قصر محمد علي باشا
أما قصر محمد علي باشا، فقد حمل أهمية عسكرية واقتصادية وسياسية، حيث وقف محمد علي بنفسه على الشاطئ المقابل له لمتابعة بناء أول سفن الأسطول المصري، ثم استخدم جزءاً من القصر عام 1868 لإدارة ثاني أقدم محكمة شرعية في مصر، وتحول لاحقاً إلى ديوان عام محافظة السويس حتى قيام ثورة يوليو 1952.
في عام 1958، أصبح القصر مقراً رسمياً للديوان العام، وتم تقسيمه إلى ثلاثة أقسام، شملت المرور وقسم الشرطة والمحكمة الشرعية، ثم نُقلت هذه الهيئات عام 1982 إلى مبان جديدة، ليبقى القصر مهجوراً بعد أن كان مركزاً للقرار والنظام.
يعكس قصر محمد علي وشحاتة سليم مدى ثراء السويس التاريخي والثقافي، ويمثلان اليوم جزءاً من تراث معماري يستحق الاهتمام وإعادة إحيائه ليبقى شاهداً على عبقرية الفن المصري والتأثيرات العالمية التي امتزجت بروح المكان.



