حوارات و تقارير

صراع كشمير.. الجذور التاريخية للحرب بين الهند وباكستان

كلما تصاعد التوتر بين الهند وباكستان، تعود الذاكرة إلى جراح الماضي المتجددة منذ لحظة تقسيم شبه القارة الهندية في عام 1947، ذلك الحدث الذي ألقى بظلاله الثقيلة على العلاقة بين الجارتين اللدودتين، حيث بقي ملف كشمير في صدارة القضايا الساخنة، يمثل صراعًا متجذرًا في الأرض والدين والسياسة، ورغم مرور أكثر من سبعين عامًا، لا تزال كشمير بؤرة للتوتر ومصدرًا للعداء المتبادل، في مشهد يعكس هشاشة الاستقرار الإقليمي وتراكمات التاريخ المتفجر.

كشمير.. عمق اقتصادي وجغرافي

تعتبر كشمير وجمو امتدادًا جغرافيًا طبيعيًا لباكستان الغربية، فبينهما ترابط اقتصادي وثيق، منتجات كشمير من الفواكه والخضراوات تجد سوقها في مدن مثل روالبندي وسيالكوت، في حين تعتمد تجارة الصوف والسجاد على هذه الأسواق الباكستانية، أما بالنسبة للتصدير، فميناء كراتشي يعد المنفذ البحري الأهم لكشمير.

وتعتمد باكستان كذلك على الأنهار التي تنبع من كشمير مثل السند وجيلوم وشناب، وهي شرايين مائية حيوية للزراعة والحياة، ومن الناحية العسكرية، فإن احتلال الهند لكشمير يمثل تهديدًا مباشرًا لخط الدفاع الباكستاني الممتد من لاهور حتى بيشاور، مما يفسر تمسك باكستان بالمنطقة.

يشكل العامل الديني بعدًا عميقًا في الصراع، إذ إن أغلبية سكان كشمير من المسلمين، وهو ما يعزز الموقف الباكستاني، لكن تعقيد الوضع يعود جزئيًا إلى مواقف الحكام المحليين، خصوصًا حاكم كشمير الهندوسي الذي ساهمت سياساته في تعميق النزاع بين الدولتين.

 إرث ما قبل التقسيم

مع إعلان استقلال الهند، بقيت 584 إمارة محلية، بعضها كبير مثل حيدر أباد، وبعضها صغير وهامشي، ورغم السيادة الشكلية، كانت السياسة الخارجية والدفاعية بيد التاج البريطاني، وبعد الاستقلال، أُعطي الأمراء حق الاختيار بين الانضمام إلى الهند أو باكستان، وهو ما أدى إلى تشكل خريطة سياسية جديدة.

الهندوس انضموا للهند، والمسلمون اختاروا باكستان، لكن بعض الإمارات، مثل كشمير، وقفت في منطقة رمادية، حيث رفض الحاكم اتخاذ موقف واضح، رغم أن أغلبية السكان كانوا من المسلمين.

التردد الذي أشعل الفوضى

وكان حاكم كشمير، المهراجا، مترددًا بشكل غريب، ورفض إعلان انضمام الولاية إلى باكستان، رغم ارتباطها الجغرافي والديني بها، وعندما حاول السكان المسلمون الاحتفال بيوم باكستان، قمعهم المهراجا وأمر بتمزيق الأعلام وإغلاق الصحف الموالية لإسلام آباد.

ورغم توقيعه اتفاقًا مع باكستان يتعلق بالمواصلات والبريد، لم يبرم اتفاقًا مماثلًا مع الهند. وبدل الحياد المعلن، اتجه نحو التصعيد عبر نزع أسلحة المسلمين وتقوية قواته من السيخ والهندوس.

الانتفاضة الأولى.. لحظة الانفجار

وفي 22 أكتوبر 1947، اشتعلت أولى نيران الصراع. اجتاحت قبائل من الأفريدي وغيرهم الحدود دفاعًا عن المسلمين، وسرعان ما انهارت سلطات المهراجا، الذي فر من العاصمة سرينجار وطلب المساعدة من الهند. لم تكن نيودلهي لتقدّم العون إلا بثمن: انضمام كشمير لها.

وهكذا، نقلت القوات الهندية بالطائرات واحتلت سرينجار، فردت باكستان بتدخل عسكري مباشر، مستندة إلى دعم مجاهدين محليين من كشمير أعلنوا التمرد على الحاكم.

بعد اشتداد القتال بين الجانبين، تدخل مجلس الأمن الدولي ودعا إلى وقف القتال، وأرسل مراقبين عسكريين لتحديد خط الهدنة، وبهذا، أصبحت السيطرة على الأرض أمرًا واقعًا: الهند تحتل جمو ووادي كشمير، في حين تسيطر باكستان على المناطق الشمالية والغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى