عادات و تقاليد

عادات وتقاليد أهل سيناء

 

حاتم عبدالهادى السيد

يظل ” عالم البدو” عالماً مدهشاً، لما يتمتع به من فرادة، وتمايز في كافة أشكال وأنماط الحياة اليومية، فالبدوى يفضل الحياة في الخيام،بعيداً عن العمران والتمدن؛ولعل هذه الخصيصة هى ما ميزته،وحافظت على عاداته وتقاليده من الإختلاط بالمدنيين، وسلوكياتهم وطبائعهم، فغدت عاداته وتقاليده ذات خصوصية تعتمد على الأصالة،والقيم العربية الإسلامية المحافظة.

ولعل عادات وتقاليد البدو، وسمات حياتهم تلتصق بالقيم الإسلامية الرصينة من الكرم وإقراء الضيف، والدفاع عن المظلومين،ونجدة المحتاج،ومساعدة الفقراء وغيرها،وتلك -لعمرى-عادات زُرِعَتْ في نفوسهم، وساعدتهم الحياة البدوية الصحراوية على ذلك.

فالبدوى دائم الترحل للبحث عن الكلأ والمرعى،وتواجد الماء والآبار والعيون، يزرع، ويسقى الماشية والدواب، ويعد النجوم والأفلاك،ويعرف طبيعة الحياة القاسية، ويتسلح بالبنادق والخناجر،ويشعل النار في الليل ليطرد الذئاب والحيوانات المفترسة، ليقرى الضيف،وكلها قيم جسدتها طبيعة الشعر القديم، فهذا حاتم الطائى الشاعر الجاهلى يأمر العبد بأن يشعل النار ليجلب الضيوف ، فيقول له شعراً :

أوقد فإن الليل ليل قُرّ

والريح ياغلام ريحُ صُرّ

عسى يرى نارك من يمر

إن جلبت ضيفاً فأنت حُرّ .

فهو هنا يعتق العبد لو جلب ضيفاً ، وهذه عادات البدو في الكرم.

وقد تختلف مظاهر العادات من قبيلة إلى أخرى،ومن بادية إلى بادية، لكنها تشترك جميعاً في تأصيل القيم المجتمعية والإنسانية والثقافية والحضارية؛ بما يعكس الأصالة رغم المعاصرة، وبما يعكس حياة البادية الجميلة.

فالثقافة هي الإطار العام للسلوك والعادات والتقاليد، بينما الشفاهية تمثل جزءًا من الثقافة إلا أنها تتفرع إلى تعريفات كثيرة نظرًا لتعدد محاورها، لكننا سنكتفي بتعريف مؤداه: ” أن الثقافة الشفاهية” هي البوتقة أو الإطار الكبير الذي يحوي داخله السلوك والعادات والتقاليد واللغة والفكر لجماعة معينة أو لجماعات متصلة، ورثت تراثًا وثقافة وفكرًا وضعه الآباء نتيجة العيش في مجتمعات تتمسك بوحدة الجماعة،وتؤمن بقيمة الفرد ودوره في المجتمع “.

ومن هذا التعريف العام يمكن أن تتفرع محاور الثقافة الشفاهية لتشمل على:

1 – اللغة ( اللهجة ) 2 – العادات والتقاليد

3 – المعتقدات الشعبية 4 – الأزياء والحلي

5 – الطب الشعبي 6 – القضاء العرفي

7 – الشعر البدوي 8 – الثقافة الإقليمية أو الثقافة الخاصة

9 – الاقتصاد 10 – الاجتماع

11 – الانثروبولوجيا 12 – السلالات والأجناس والجغرافيا البشرية.

بلا أن محاور الثقافة الشفاهية يمكن أن تنسحب إلى كل ما يفعله الشخص داخل إطار هذا المجتمع العام. لذا لا تقتصر دراسة الثقافة الشفاهية – في نظري – على البدو الذين يعيشون في مجتمعات منغلقة – قليلاً – أو على تلك الجماعات التي تسكن بعيدًا عن العمران فحسب، بل يمكن أن تنسحب إلى كل ما هو خارج عن إطار الحدود اللغوية المتعارف عليها وأعنى – اللغة العربية.

و الثقافة الشفاهية – في نظري – يمكن أن تمثل اللغة الرسمية الثانية بعد اللغة الأصلية لكل مجتمع، وكما يمكن أن تتنوع هذه الثقافة الشفاهية داخل كل قطر، فعلى سبيل المثال – في مصر – تختلف اللهجات بين الأقاليم ) قبلي – بحري ) وبين المحافظات، فصعيد مصر تختلف لهجته عن لهجة أبناء الريف ، كما تختلف لهجة بدو ” سيناء ” عن لهجة بدو ” مرسى مطروح “، بينما يتفق القاهريون على اللهجة العامية المصرية ، وقد تختلط هذه اللهجات بين قطر وقطر ،فلهجةبدو سيناء مثلاً تختلط باللهجة الفلسطينية،ولهجة بلاد الشام من جهة ،وباللهجة العامية القاهرية من جهة أخرى، كما تختلف اللهجة بين قبيلة وأخرى وهكذا يمكن أن نجد لدينا مصهورًا لهجيًا غنيًا يمكن أن يكون مدخلاً لدراسة عادات وتقاليد وفكر الأمم والشعوب والقبائل وكل ذلك يخدم السياسة والثقافة من طريق غير مباشر.

فيحتاج السياسي إلى معلومات عن فكر الدولة المعادية: كيف يفكر أبناؤها، عاداتهم، تقاليدهم، لهجتهم ولغتهم، حتى إذا ما فكرت الدولة في غزو الدولة المعادية فإنها تجد لديها خريطة عامة يمكن عن طريقها إخضاع أفراد هذه الدولة ؛لأنها عرفت المدخل الصحيح لهوية أفرادها وعادة ما يقوم بهذه الدراسات رجال المخابرات والبعثات الخاصة ( السياحية على وجه الخصوص )، لذا لم تنجح إسرائيل في الدخول إلى عقلية المواطن السيناوي لأنه فات على رجال الموساد الإسرائيل أن يدرسوا عادات وتقاليد أبناء سيناء، فلم تنجح محاولاتهم بعد ذلك في تهويد سيناء، ونشر اللغة العبرية بين أبنائها؛ أو في المقررات الدراسية ،أو في البرامج الموجهة التي كانت تبثها عبر قنواتها الفضائية ،أو إغراء أبنائها بالمال، والنساء وغير ذلك .

لذا فالدراسة الثقافية الشفاهية – في نظري – هي دراسة قومية للفكر العام الذي يدخل في ديناميات الشخصية، والذي يحدد كل القيم والاتجاهات والمفاهيم للفرد والتي تنعكس بدورها على المجتمع والتي تمثل أكبر تهديد للأمن القومي لأية دولة من دول العالم.

فإذا كان العالم – الآن – قرية صغيرة وأصبحت ” نظرية العولمة ” أو عصر العولمة – هو العصر الذي نعيش فيه وجب علينا أن نحتاط من نتائج هذه التكنولوجيا المتلاحقة لأن آثارها – في نظري – ستهدد الأمن العام العالمي وربما تنذر بكارثة كبرى لنهاية العالم ولن نخوض كثيرًا في هذا الجانب فإن الحديث فيه يحتاج منا إلى دراسات مطولة، ولكن جاء الحديث عنه في سياق التدليل بأهمية الدراسات الشفاهية بصفة عامة.

عادات وتقاليد أهل البادية

يسكن البدو في بيوت تسمى ” بيوت الشعر ” تصنع من جلود الماعز؛ وبعض فروع الأشجار والنخيل وأوراق شجر العادر ،وبعض الأشجار البرية ،وأوبار الجمال وأصواف الخراف.

كما يسكنون الخيام لأنهم دائمًا في تنقل مستمر حول الكلأ والمراعي ؛ويصنعون ” العرائش ” لتظلهم وتقيهم حرارة القيظ ويجتمعون – في الليل – حولها يشعلون النيران فى الحطب ويشربون القهوة العربية الجميلة.

الرعي في الخلاء:

يخرج البدوي أو البدوية – غالبًا – للرعي في الصحراء وتنتشر الأغنام لتأكل من الكلأ، وتجلس البدوية تحت شجرة تعزف على آلة : “الشبّابة” أو “الناي” أو “آلة المقرون”؛ وتنطلق في غناء عذب يملأ الصحراء الجرداء عبقًا؛فتزقزق الطيور،وتتقافز الماعز كالغزلان البرية الجميلة في صورة طبيعية غاية في الروعة والحسن والجمال.

الأسلحة المستخدمة:

يستخدم البدوي أسلحة تقيه من الذئاب والحيوانات المفترسة والضالة،كما قد يستخدمها في الحروب والنزاعات التي قد تنشأ على الكلأ والماء ومن هذه الأسلحة ” الشبرية ” وهي مثل المطواة لكنها أبلغ تأثيرًا وأكثر قوة، والسيوف المحلاة بالفضة وهي أنواع منها: ” العجمية ” و ” الدمشقية أو الشاكرية ” و ” السليمية ” كما يستخدمون البنادق المختلفة وأنواعها: الفتيلة ” و” الشطفة ” و” الكبسول ” و” رمنتون ” علاوة على ” الطبنجات ” و” السكاكين ” وغيرها.

الحياة اليومية العادية:

يستيقظ البدوي في الصباح الباكر، ويخرج الشبان لرعي الإبل بينما تخرج الشابات لرعي الأغنام، وتستيقظ النسوة قبل طلوع الشمس فيصلين ثم يقمن بإشعال النار في أعواد الحطب الجافة، وتصنع البدوية الخبز ” الفطائر الرقيقة ” على ” الصاج ” وهو عبارة عن ” آنية مقعرة من الصفيح المقوى ” فتقوم بوضع ” العجين ” عليه بعد أن ترققه بيديها ثم تضعه على الصاج حتى ينضج لتقدمه طازجًا وبعد الإفطار يشربون الشاي ويخرج الرجال إلى أعمالهم في الزراعة وغالبًا ما تساعد المرأة في الزراعة وتربية الدواجن والماعز والخراف، وعندما يأتي الظهر يتناولون طعام الغذاء ويشربون الدخان ويلعبون ” السيجة ” وهي لعبة بسيطة لا تحتاج إلا لبعض الأعواد الجافة أو بعض الحصى، ويتسامرون وسط المزارع إلى أن تغيب الشمس فيمتد السمر وتحلو الأحاديث حول الناس المشتعلة.

وأهل بادية سيناء – والبدو بصفة عامة – لا يلجأون إلى الحكومة في شيء، فإذا وقعت واقعة ما فأنهم يلجأون إلى شيخ القبيلة أو القاضي العرفي لحل المشاكل مهما كبرت أو صغرت،وأمره نافذ ،ولا يمكن رفضه وإلا طرد الرافض من القبيلة، ولكل قاض اختصاصات معينة ويحكم في القضية فهناك قاض للقتل وقاض للسرقة وغير ذلك؛ فإذا لم يعترف المتهم بجريمته فإن القاضي يُحَوَّله إلى ” المُبَشِّعْ ” ليقوم بلحس ” الِبشعة ” أي بدلاً من أن يحلف، يتم تسخين آنية معينة من النحاس حتى تحمر من شدة الحرارة، ويقال لمرتكب الجريمة: الحس هذه النار بلسانك ” فإن كان بريئًا فإنه ” يلحسها بلسانه “،وبإذن الله لا يصيبه شيء،أما إن كان مجرمًا حقًاً فإن النار تخرسه،وتجعله أخرسًا إلى الأبد،وأغلب مرتكبي الجرائم يعترفون بفعلتهم قبل لحس النار لأنهم يعلمون النتيجة.

وتعتبرالعادات و التقاليد والأعراف هي حالات معنوية ذات علاقة روحية عميقة الجذور بنفسيات الناس وقيمهم الثقافية والاجتماعية- كما يقول د.عبدالحميد يونس؛فهي ساكنة في ضمائرهم ومنعكسة في أساليب سلوكهم. فالعادات والتقاليد هي حكمة الشعب؛وبالتالي ليست إشارة على الماضي؛وليست زائراًوافداً من بيئة أخرى، فهى تنتمي إلى المجتمع الذي تتفاعل معه ويفيد منها،وإلى اللحظة التي تحقق بها وظيفة حيوية وإنسانية من وظائفها الكثيرة، إنها ليست حلقة من سقط المتاع، و ليست عائقا من عوائق التقدم.، بل هى رمز للأصالة وللتمسك بالإنتماء.

وللبدو عادات وتقاليد كثيرة أكثر من أن تحصى ، انتقل بعضها بالتسلسل من الآباء إلى الأحفاد ، وحوفظ عليها كما لو كان شِرْعَةً لا يصح الإخلال بها،وبعضها نشأ بحكم الضرورة القاهرة من شظف العيش وضيقه وقساوة البادية ومرارة العيش فيها ، وتمارس تلك الأعراف والتقاليد ضغطاً اجتماعياً على جميع الأفراد ، فلا يستطيع أحد التحرر منها، وإلا فإنه يعرض نفسه للاستخفاف والازدراء وللعقاب أحياناً؛والنبذ أحياناً أخرى؛وربما يضطر إلى الهرب خارج العشيرة أو القبيلة، أو طرده و ” تشميسه “، أى يتم التبرء منه. وهذا النمط المحافظ الثابت أدى إلى استمرار عادات وقيم وبقائها على ما هي عليه حتى اليوم ، ومن أخلاق البدو، الأنفة، والعزة، والصبر، والكرم، والعفة، والوفاء، وإغاثة الملهوف، وإجارة المستجير، والإيثار، والجرأة في قول الحق، والعفو عند المقدرة. والبدو يحفظون أنسابهم ويفاخرون بها،وقد لا يتسع هنا المقام لذكر كل العادات والتقاليد العائلية التي ظلت حية وممارسة في الوقت الحاضر،وما يصاحبها من ممارسات و طقوس واعتقادات قد تصل بها أحيانا إلى درجة التقديس، غير أننا سوف نحاول الوقوف على مظهر من مظاهر هذه العادات والتقاليد العائلية والذي استمر حيا منذ القديم حتى الوقت الحاضر الذي زادها قوة و حيوية. وهو مظهر الاحتفالية، او ما يسمى ” السامر السيناوى “، حيث يجتمع البدو في الليل ويشعلون النيران، ويتم عمل القهوة العربية الأصيلة وتقديمها للرجال، ثم يجلسون للتسامر، وقد يرقصون عدة رقصات مميزة منها : ” الدبكة” ، و ” الدّحية ” ، “المشرقية “، ” الخوجار “، ” الرِّزْعَةْ ” وهى رقصات تراثية تعتمد على التدبيك بالأرجل بقوة على الأرض، وفى السامر السيناوى يقف ” الدَّبيكة ” فريقان ، او على هيئة دائرة وتتوسطهم فتاة ” تخبىء وجهها” وفى يدها سيف، او عصا، وتقوم بإلهاب الحماس للرقص، ثم يأتى دور ” البَدّاع” وهو الشاعر الذى يقف ليناظر شاعراً آخر، ويمتد الغناء والرقص على أصوات الطبول وايقاعات آلات الطرب البدوى ” الأرغول” ، ” المقرون”، ” الناى”، وغيرها .

إنها عادات وتقاليد البادية الساحرة على أنغام طبلة الصحراء الساحرة، وعبر البدو الذين يحتاجون للترويح، بعد أن أجهدتهم الصحراء وإبلها وجمالها، وحروبها، فلكل عاداته وتقاليده، وهى لاتزل حية بينهم، يميلون إليها كنوع من الحنين إلى الماضى الجميل .

ستظل العادات والتقاليد أحد المكونات الرئيسة لمعرفة البدو، وقد عرضنا هنا لبعض ملامح العادات والتقاليد في بادية سيناء، فهى كثيرة وتحتاج منا إلى دراسة أعمق وأطول . والله الموفق .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى