لماذا يحتفل العراقيون في نهاية شهر صفر بتكسير الأواني ووقف الأفراح؟

أميرة جادو
في نهاية شهر صفر من كل عام هجري، تعم الأفراح العديد من البيوت العراقية، حيث تبدأ الأعراس وتنتشر أجواء البهجة، ومع آخر أيام الشهر، يمارس البعض طقوسًا وتقاليد قد تبدو غريبة، مثل تكسير الأواني والزجاج، وطرق جدران المنازل بالأيدي،علاوة على حرق المكانس اليدوية عند مداخل المنازل والمحال التجارية، هذا العرف توارثه الناس منذ مئات السنين، بناءً على اعتقاد بأن شهر صفر يعد من الأشهر التي تغيب فيها البركة والحظ، وبانتهاء شهر صفر تبدأ تلك الطقوس خاصة وقت الغروب، في محاولة لطرد الشر وسوء الطالع وفق اعتقاد بعض العراقيين.
طقوس متوارثة
كما اعتادت الحاجة أم زيد، السبعينية، على ممارسة هذه الطقوس، إذ تقوم بتكسير بعض الصحون الزجاجية وحرق مكنسة منزلها اليدوية لطرد النحس المرتبط بشهر صفر حسبما تؤمن. وتقول أم زيد إنها توارثت هذه العادات عن والدتها وجدتها من قبل.
وتضيف أم زيد في حديثها مع الجزيرة نت أن شهر صفر “يمر ثقيلًا علينا، وما إن ينتهي حتى نتنفس الصعداء ونعود لحياتنا الطبيعية. نحمد الله على مروره دون أحزان، ونمارس هذه الطقوس المتوارثة فرحًا باستقبال شهر ربيع الأول”.
الزواج بعد صفر
من جانبه، يستعد أبو مهدي (61 عامًا) لتزويج ابنه البكر مهدي ذي الـ27 عامًا مع حلول شهر ربيع الأول. فرغم أن مهدي تخرج بشهادة البكالوريوس في الآداب قبل فترة، فإنه لم يجد وظيفة واضطر للعمل كسائق أجرة لتغطية تكاليف الزواج.
أشار “أبو مهدي”، إلى إن جميع ترتيبات الزواج قد اكتملت، بما في ذلك الخطوبة وعقد القران والمهر. ويضيف: “كانت نيتنا إقامة حفل الزفاف قبل شهري محرم وصفر، لكننا تريثنا لأننا نعتقد أن الزواج في هذين الشهرين الحزينين، خصوصًا صفر، فأل سيئ. هكذا توارثنا من آبائنا وأجدادنا. بعد أسبوعين من الآن، سنقيم الزفاف إن شاء الله”.
موغلة في القدم
وفيما يتعلق بالطقوس المتمثلة في كسر الأواني، يوضح الإعلامي العراقي المختص بالتراث محمد خليل التميمي أن هذه العادات متجذرة في الموروث الشعبي العراقي، وخاصة لدى أهل بغداد. ويقال إن هذه المعتقدات جاءت مع القبائل التي نزحت من الجزيرة العربية. وربطت هذه الطقوس بيوم وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم. والذي يعتقد كثيرون أنه كان في الـ28 من صفر.
وأردف “التميمي”، أن غالبية العراقيين يكسرون الأواني الفخارية تحديدًا، لأنها ترمز إلى فقدان شيء لا يمكن استرجاعه، مثل المتوفي الذي لا يعود للحياة. أما حرق المكانس. فهو يأتي لنفس الاعتقاد، حيث كانوا يتشاءمون من الكنس في شهر صفر خوفًا من “كنس” شخص عزيز من حياتهم، وفق معتقداتهم.
حياة معطلة
وعن الاعتقادات المرتبطة بصفر، يقول الباحث التراثي صباح السعدي إن الحياة تبدو شبه متوقفة في العراق خلال هذا الشهر، نظرًا لاعتقاد الناس أنه شهر مشؤوم. ويضيف أن البعض يمتنع عن إتمام الصفقات وبيع وشراء الممتلكات وحتى إقامة الأفراح.
وأوضح ” السعدي”، إن النساء، وخاصة كبيرات السن. يقمن مع نهاية شهر صفر بطرق جدران المنازل مرددات عبارة “تطلع يا صفر”، ويرمين نقودًا من الفئات الصغيرة على الأرض كنوع من النذر أو التفاؤل بقدوم الخير مع شهر ربيع الأول ومولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. كما يقوم بعض الأهالي بوضع مبالغ صغيرة تحت وسائد الأطفال، ثم يتبرعون بها للفقراء والمحتاجين مع نهاية الشهر، لدرء أي مكروه. ويشير السعدي إلى أن هذه الطقوس جزء من الموروث الشعبي وليست مرتبطة بالدين.
غزوات الجاهلية
أما بالنسبة لأصل هذه التقاليد، يوضح الباحث في تاريخ الأديان الشيخ عباس شمس الدين أن جذور هذه الطقوس تعود إلى عصر ما قبل الإسلام. فقد اعتادت القبائل العربية في الجاهلية أن تستأنف الغزو والاقتتال بعد انتهاء شهر محرم. الذي كان أحد الأشهر الحُرم. ولأن الرجال كانوا يغادرون للقتال، كانت النساء والأطفال يعيشون حالة من الخوف والقلق طوال شهر صفر خوفًا من تعرض ديارهم للهجوم. وعند عودة الرجال سالمين. كان أهلهم يحتفلون بنهاية الشهر كدلالة على الفرح والتفاؤل بزوال الشؤم.
واستطرد “شمس الدين”، أن بعض هذه التقاليد قد تكون مستوحاة من حضارات قديمة. مثل البابليين واليهود، مؤكدًا في الوقت نفسه أنه لا توجد أي روايات إسلامية، حتى الضعيفة منها. تتحدث عن نحس أي شهر، بما في ذلك صفر. كما لا توجد أي شعائر دينية تتعلق بتكسير الصحون، حرق المكانس، شراء الذهب أو كراهية البيع والشراء.
والجدير بالذكر أن شهر محرم هو الشهر الأول في التقويم الهجري، يليه صفر ثم ربيع الأول وربيع الآخر. ثم جمادى الأولى وجمادى الآخرة، ومن بعدهما رجب، شعبان، رمضان، شوال، ذو القعدة وختامًا ذو الحجة. ويقال إن اسم “صفر” جاء من إصفار مكة من أهلها عند سفرهم. أو لأن العرب كانوا يسلبون القبائل الأخرى متاعها، فيتركونهم بلا شيء.