تاريخ ومزارات

كارانسبيش.. قصة حقيقية من قلب التاريخ عن معركة بلا عدو ودماء بلا سبب

في عام 1788 كانت الإمبراطورية النمساوية تخوض صراعا قويا ضد الدولة العثمانية بجيش ضخم ومعنويات مرتفعة واندفاع نحو القتال دون تردد فتوجهت القوات صوب بلدة كارانسبيش الواقعة في رومانيا حاليا وهناك وقعت واحدة من أغرب الحوادث في التاريخ العسكري حيث لم يكن العدو من خارج المعسكر بل من داخله وبدلا من معركة تقليدية شهد العالم مواجهة عبثية بين الجنود أنفسهم.

كارانسبيش.. قصة حقيقية من قلب التاريخ

في مساء هادئ خرجت مجموعة من الجنود النمساويين في مهمة استطلاعية لاستكشاف المنطقة وفي الطريق التقت هذه المجموعة ببعض التجار المحليين الذين كانوا يعرضون الخمر للبيع فقرر الجنود التوقف قليلا والتزود بما يقدمه هؤلاء الباعة وما لبثت الجلسة أن تحولت إلى لحظة مرح واسترخاء واختلطت الأحاديث بالضحك وصوت الكؤوس.

بعد فترة قصيرة وصلت مجموعة أخرى من الجيش إلى المكان فرأت زملاءها في حالة استمتاع فطلبت الانضمام إليهم لكن المجموعة الأولى رفضت مشاركتهم ما لديهم وبدأ التوتر يتصاعد شيئا فشيئا ومع تراكم الغضب وارتفاع الأصوات اندلعت مشادة كلامية لم تلبث أن تحولت فجأة إلى إطلاق نار وهكذا انطلقت الشرارة الأولى لكارثة غير متوقعة.

في لحظة سماع الطلقات في قلب الليل سادت حالة من الذعر وسط المعسكرات الأخرى التي كانت بعيدة عن الموقع فظن الجنود أن العثمانيين شنوا هجوما مباغتا وارتفعت الأصوات بالنداء والتحذير وهم يصرخون الأتراك الأتراك دون التحقق من مصدر إطلاق النار فتسرب الخوف بسرعة جنونية وبدأت الوحدات العسكرية تطلق النار عشوائيا على بعضها البعض معتقدة أن الهجوم حقيقي.

المشهد ازداد سوءا حين حاول أحد القادة الإمساك بزمام الأمور وتهدئة الفوضى فامتطى جواده وأخذ يصيح بالأوامر لإعادة الانضباط لكن الحصان المفزوع أسقط القائد أرضا ووسط الظلام والضجيج اعتقد الجنود أن قائدهم سقط قتيلا فتصاعدت الهستيريا وارتفعت صيحات الذعر من جديد.

الجنود بدأوا ينسحبون بشكل عشوائي بعضهم حاول عبور النهر وآخرون سقطوا تحت أقدام الخيول والبعض الآخر أصيب برصاص مجهول المصدر كانت معركة كاملة تدور رحاها دون عدو حقيقي بل بين أفراد الجيش الواحد.

مع شروق شمس اليوم التالي اتضحت الحقيقة الكاملة أمام القيادة النمساوية مئات القتلى ومعنويات محطمة وخسائر فادحة كل ذلك بسبب سوء تفاهم وسرعة الانفعال وانتشار الذعر دون أي وجود للعدو في الميدان فالمعركة التي دارت في كارانسبيش كانت ضد الخوف وسوء التنسيق لا ضد الجيش العثماني.

وبعد يومين فقط وصل العثمانيون إلى موقع المعركة فوجدوا أمامهم جيشا مرهقا ومحطما من الداخل بلا تنظيم ولا مقاومة ولم يكن عليهم سوى التقدم بهدوء لإتمام ما بدأه النمساويون بأيديهم.

ظلت هذه الحادثة واحدة من أكثر الحكايات غرابة في سجل الحروب عبر التاريخ واعتُبرت درسا قاسيا في خطورة الارتباك وفوضى القيادة وتبعات غياب الانضباط داخل الجيوش إذ تحولت سهرة صغيرة إلى مأساة عسكرية يرويها المؤرخون بدهشة وابتسامة خفيفة تختلط بالحسرة على جنود حاربوا أنفسهم دون أن يدركوا حجم ما فعلوه حتى طلوع الفجر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى