دير أبو ليفة: جوهرة أثرية تروي تاريخ المسيحية في الفيوم
يعد دير أبو ليفة بمحافظة الفيوم واحداً من أبرز المعالم الأثرية التي ارتبطت بتاريخ انتشار المسيحية في مصر. يقع الدير على قمة جبل أبو ليفة شمال بحيرة قارون، ويتميز بطبيعته الفريدة ككهف محفور في الصخر، يحتوي على قلالي الرهبان التي كانت تستخدم للتعبد والعزلة.
تاريخ دير أبو ليفة
وفي هذا الصدد أوضح إبراهيم رجب، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية بمحافظة الفيوم سابقاً، أن دير أبو ليفة كان من أشهر الأديرة في الفيوم منذ بداية انتشار المسيحية وحتى العصر العثماني. وفقاً لما ورد في كتاب “كنائس وأديرة الفيوم” للدكتور فتحي خورشيد، كانت المحافظة تضم ثمانية أديرة وثلاث عشرة كنيسة توزعت في مختلف أنحاء الإقليم خلال تلك الحقبة.
كما يقع دير أبو ليفة على بعد 15 كيلومتراً شمال بحيرة قارون، بالقرب من معبد قصر الصاغة الأثري، ويبدو ككهف على حافة صخرية شاهقة، وتشير الدراسات إلى أن الدير كان مأهولاً من القرن السابع حتى التاسع الميلادي. وأشار رجب إلى أن الرحالة فانسليب ذكر الدير خلال زيارته للمنطقة عام 1672، حيث أكد وجوده كدير مهجور.
قام الأثريان في القرن العشرين، كيت طومسون وجاردنر بزيارة الدير ووصفاه بالتفصيل، كما يتكون الدير من قلايات محفورة في صخور شديدة الانحدار تنتمي للعصر البليستوسيني، ويبلغ ارتفاعها حوالي 2.5 متر، كما أن الدخول إلى الدير يتم عبر فتحة علوية تؤدي إلى قلايات متصلة، أبرزها القلاية الأولى التي تضم بئراً بعمق 10 أمتار.
كما تميزت القلايات بسقوفها وجدرانها المغطاة بطبقة جصية بيضاء تحمل كتابات قبطية باللون الأحمر، إلى جانب أجزاء من جداريات تصور قساوسة ورهبان. المنطقة المحيطة بالدير مليئة بشواهد أثرية مثل قطع الفخار والزجاج، مما يدل على أن المكان كان ينبض بالحياة قبل أن يهجره سكانه.
دير أبو ليفة ليس مجرد موقع أثري بل هو نافذة على تاريخ المسيحية في الفيوم، يحمل بين طياته قصصاً عن حياة الرهبان وتقشفهم، ويعكس براعة الإنسان القديم في التكيف مع الطبيعة لخدمة أغراض دينية وروحية.