فنون و ادب

وراء كل مثل حكاية.. قصة “لسانك حصانك أن صنته صانك”

أميرة جادو

يقال إن اللسان هو مرآة العقل، فهو الذي يكشف ما يحتويه من حكمة أو جهل، ولعل هذا ما عناه الفيلسوف أفلاطون حين قال لأحد تلاميذه: “تكلم حتى أراك”، فالإنسان إما أن يظهر ثقافته وعلمه من خلال كلماته، وإما أن يكشف عن جهله من خلال زلات لسانه، ومن هنا، يأتي المثل العربي الشهير “لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك” ليؤكد أن حسن اختيار الكلمات يمكن أن ينجي صاحبه، بينما قد تؤدي زلات اللسان إلى عواقب وخيمة.

حكاية مثل “لسانك حصانك أن صنته صانك”

يرجع أصل هذا المثل إلى قصة قديمة حدثت مع أحد الملوك، الذي رأى في منامه حلمًا غريبًا أزعجه بشدة، مما دفعه لاستدعاء مفسري الأحلام ليكشفوا له عن دلالاته. وعندما جاء أول مفسر، طلب منه الملك أن يروي رؤياه، فقال الملك إنه حلم بأن جميع أسنانه وشعره يتساقط. استغرب المفسر وسأله إن كان متأكدًا مما رآه، فأجابه الملك بالإيجاب، ليقوم المفسر بعدها بتفسير الحلم قائلًا: “يا مولاي، هذا يعني أنك ستشهد وفاة جميع أفراد عائلتك وستدفنهم واحدًا تلو الآخر”.

لم يرق هذا التفسير للملك، فاستشاط غضبًا وأمر بقتل المفسر فورًا، ليجلبوا له مفسرًا آخر، ففسر الحلم بالطريقة نفسها، فكان مصيره الإعدام أيضًا!

حكمة أم تنقذ ابنها من الموت

بعد أن انتشر خبر إعدام المفسرين في أرجاء المملكة، أصبح الجميع يتجنبون التوجه إلى القصر خوفًا من غضب الملك. لكن حينما أشار الحاشية على الملك بشاب معروف ببراعته في تفسير الأحلام، أمر الملك بإحضاره فورًا. شعر الشاب بالخوف، فقص الأمر على أمه، التي نصحته قائلة: “لسانك حصانك، إن صنته صانك وإن هنته هانك”.

أدرك الشاب أن الطريقة التي سيصيغ بها كلماته هي التي ستحدد مصيره. فذهب إلى القصر وقابل الملك، الذي أعاد سرد حلمه له، فابتسم الشاب وقال بكل هدوء: “أبشر يا مولاي. فهذه الرؤيا تعني أنك ستكون أطول أفراد أسرتك عمرًا، وستعيش حياة مديدة مليئة بالرخاء والسعادة”.

على الرغم من أن تفسيره لم يختلف عن تفسيرات المفسرين السابقين. فإن الأسلوب الذي اختاره في عرض الحقيقة جعل الملك يشعر بالسعادة بدلاً من الغضب. وبدلًا من إصدار أمر بإعدامه. أغدق عليه الهدايا والأموال، وهنا أدرك الشاب المعنى الحقيقي للحكمة التي قالتها له والدته.

العبرة من القصة: الكلمة سلاح ذو حدين

تؤكد هذه القصة أهمية اختيار الكلمات بحكمة، فطريقة التعبير قد تؤدي إلى كسب رضا الآخرين أو إلى الوقوع في مشاكل لا تحمد عقباها. فالكلام هو مفتاح العلاقات الإنسانية. وهو الذي يعكس ذكاء الإنسان وحكمته في التعامل مع الآخرين.

ففي النهاية، يظل المثل العربي القديم “لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك” درسًا خالدًا في فن التعامل مع الناس، يذكّرنا دائمًا بأن للكلمات تأثيرًا قويًا قد يكون سببًا في النجاح أو الهلاك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى