رومانسية الحلم وآفاقه المتشاكلة
حاتم عبدالهادى السيد
تبدو سيمولوجيا عنوان قصائد ديوان “ستبقين امرأة” للشاعر عادل الشواف، أكثر صدقاً وتعبيراً عن رؤى الواقع الرومانسي الذى يحاول الشاعر أن ينقلنا اليه في زمن افتقدنا فيه الرومانسية بفعل الآلة التكنولوجيا وملاحقاتها، التي لا تنفك تأتينا بالجديد حتى غدونا نستمع الى القصيدة التفاعلية، أو القصيدة الاليكترونية ذات الروابط الاستاتيكية التي تدخل الميديا الحديثة في صناعتها فتحيلها – في كثير من الأحيان- الى قصائد جامدة، أو ما يشبه الطائر الآلي أو الروبوت، دون الأحساس بطعم وروح القصيدة، وأن ارتبطت بالموسيقى أو اللوحات التعبيرية، أو إلى مواقف حالية وغير ذلك، إذ التلقي والذائقة هناك تكون تغايرية للمألوف من الذوق الأدبي، لأن متعة القراءة للكتاب الورقي لاتزال لها الصدارة في الذائقة الشعبية العربية أيضاً.
وفى ديوان الشاعر عادل الشّواف ” ستبقين امرأة “، تأخذنا دلالة العنوان إلى عدة احالات رامزة، لامرأة الحلم، التي يستشرف لها مكاناً حميماً ،على مستوى التجربة الشعرية والفنية، الا أن الشاعر يحاول أن يجرّنا معه الى مفهومه عن المرأة، وتلك خصوصية – وان كانت تخصه فحسب – الا أنها تحيلنا الى تجربة انسانية غاية في الرّقة، والحنوّ، والقسوة أيضاً.
إلا أنك أمام الصدق الفطري تقف متأملاً للمعنى الذى يقصده مباشرة، دون تكلف لصورة ملغزة، ودون استخدام لألفاظ حوشية، فغدا ديوانه متبسّطاً في اللفظ، الا أنه يحيلنا الى معان وقضايا عميقة، تخصّه في رؤيته عن المرأة والذات والعالم والكون والحياة، وربما رؤية كثيرين أيضاً .
ومع احترامنا للتجربة الإنسانية في مواضع الديوان الذى يتحدث عن الذات والحبيبة، التي يصورها تارة بالمحبوبة والعشيقة، وتارة أخرى بالخائنة أو المخادعة، إلا أن ملمحاً انسيابياً يأخذنا معه الى أفق الجمال المتأنّق، والحب العذري العفيف، وعالم المثل والقيم النبيلة الرفيعة.
أنه يبحث إذن -في ذاته- عن نموذج مثال عن المرأة .. يتصورها في مدينته الفاضلة فيتخيلها – كما نرى- فينوس الشعراء ، ومرة بليلى العامرية، وكأنه يطير ويهفو الى ربّات الحب والجمال مع أفروديت ” الهة الحب عند الاغريق “، أو هي ليلى لدى قيس العربي، لذا نراه يأخذنا الى حكايات شعرية عن الحبيبة والليل والطبيعة والمرأة، والرجل الذى يتمثل ذاته المخاطبة، ذات الراوي، أو ذات المخاطب وهو يصدح في أرجاء العالم، بين الجبال والسهول، وبين المروج والحدائق والحقول بحثاً عن الفتاة الحلم، والمرأة الاستثناء التي يبحث عنها ولم يجدها بعد في عالم الشعر الفسيح عبر الكون والعالم والحياة.
هذا وتبدو “سيمولوجيا” العنوان دالاً للدخول إلى عالم الشعرية، أو كما أسميها هنا : ” الحكاية الشعرية ” لمجهولة العنوان، يبحث عنها الحبيب في طرقات الدنيا ، ويصدح في بريّة العالم، يخاطبها بأرقّ الرسائل، وأجمل المعاني، فكأننا أمام رسّام أو مصور، أو عاشق ومحب يرسل رسائله الغرامية، والانتقامية أيضاً لهذه الحبيبة الخائنة، التي جرحت وجدان شاعريته فغدا يهجوها مرة، ويستعطفها برقّة في أحايين قليلة، ثم يعود بمعول قلبه يناديها عبر مونولوج الحلم ليستنهضها، لتظل دوامة الحب مشتعلة في قلبه ،بينما تظل أنثى الشعر لديه حاضرة وغائبة معاً، وهو يدور في فلك طغيانها الأنثوي رغم كل ما نعتها من صفات، وكمّ السهام التي صوّبها الى قلب كيوبيد الشعر عنده، فغدا مثل كروان يغنى لها أغانيه التراجيدية الحزينة على أرغول الشجن ، ومزمار الحزن والحنين والبعاد، والهروب أيضاً .
ويحمل الديوان بساطة تعبيرية ولغوية، وتصاوير تنحو الى الوضوح الشعرى ليخاطب بها العامة والبسطاء، وتلك لعمرى، وان كانت نبل غاية في مقصديته نحو الجمهور الأدبى، الا أن ذلك لا يجعل الشاعر يتبسّط فيقع في المباشرة والتّرهّل، وقد حاول الشاعر – فيما أحسب – أن يتجنّب ذلك – بقدر ما تطيق شاعريته – ونبل مقاصده، ونحن اذ نثمّن مقصديات الشعرية لديه، فأنما نشدّ على يديه، وقد نوافقه أو نغايره النظرة تجاه المرأة ، لكن تظل الفطرة الصادقة هي المسيطرة على الاطار العام، ولنا أن نقدمه كأول ديوان له ،الى أن يصدر ديوانه الثاني الذى أحسبه سوف يقولب تجربته التي أظن أن الصدق هو عنوانها، والقيم الانسانية النبيلة كالحق والخير والجمال والحب الذى يرقق القلوب هو أساس متنها الرصين، لنستقبل آنذاك هذا البستان الإنساني الشاعري الجميل، كما نحن معه في هذا العطر القروى المتأنّق الساحر والأثير .
أننا بحاجة الى الرومانسية، فأهلا بالشاعر / عادل الشّواف، في مصاف المبدعين الرومانسيين، ونتمنى له كل التقدير بما قدمه من نبل المقصد، وصدق الغاية في ديوانه الأول الجميل .
ستبقى المرأة في كل زمان ومكان مصدر الهام المبدع والفنان يصوّرها في خياله، ويرسمها بفرشاته، فراشة تطير في حدائق الشعر ذات الجمال الشاهق، والسامق، والممتع، والجذاب ، والرائع أيضاً. والله الموفق .