دير السيدة العذراء بجبل الطير: أيقونة روحية وشاهد على رحلة العائلة المقدسة

في قلب محافظة المنيا وعلى بعد حوالي 25 كيلومترًا شمال شرق المدينة، يقف دير السيدة العذراء بجبل الطير كواحد من أبرز المزارات الدينية بمصر. هذا الدير العريق ليس مجرد معلم أثري، بل هو محطة مهمة في رحلة العائلة المقدسة التي تركت بصمتها التاريخية على أرض مصر.
تاريخ دير السيدة العذراء بجبل الطير
سمي دير السيدة العذراء بجبل الطير بعدة أسماء حملت معاني مميزة. ذكر المؤرخ المقريزي أن طائرًا يعرف باسم البوقيرس، الذي يشبه طائر أبو قردان، كان يتجمع بكثافة في هذه المنطقة أثناء هجرته من برودة شتاء أوروبا إلى دفء وادي النيل. كما أطلق عليه اسم دير جبل الكف نسبة إلى قصة تاريخية تشير إلى أن السيد المسيح وضع كفه على صخرة كادت تسقط على العائلة المقدسة، فترك بصمة كفه عليها، ما أضفى على المكان طابعًا مقدسًا.
كما شهد الدير أولى خطوات بنائه في عام 328 ميلادي عندما قامت الإمبراطورة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين، بتشييد الكنيسة التي نحتت في الصخر. في القرن العشرين، أضاف الأنبا ساويرس مطران المنيا والأشمونين دورًا جديدًا للسقف لحمايتها، ليظل الدير شامخًا كجزء من التراث الديني والثقافي المصري.
تتبع الكنيسة داخل الدير تصميم الكنائس البازيلكية وتتألف من مساحة مستطيلة مقسمة إلى ثلاثة أروقة عبر أعمدة صخرية مميزة بزخارف كورنثية، ويحتوي الدير على مغارة تاريخية يقال إن السيدة العذراء والسيد المسيح اختبآ بها لمدة ثلاثة أيام أثناء هروبهما من اضطهاد الرومان، مما يجعلها مقصدًا دائمًا للزوار. كما تزخر الكنيسة بأيقونات تعود إلى بدايات العصر المسيحي، ما يضيف لمسة من الروحانية إلى هذا المكان المقدس.
وفي هذا السياق قال إسحاق الباجوشي، الباحث في التاريخ القبطي، أن دير السيدة العذراء بجبل الطير شهد أعمال تطوير كبيرة عبر مرحلتين لتعزيز مكانته كمزار سياحي وديني. تضمنت المرحلة الأولى تحسين البنية التحتية من خلال تركيب لوحات إرشادية، وتجديد شبكة المرافق، وتبليط الساحات بالبازلت، بالإضافة إلى تشجير المنطقة وإنارتها، بتكلفة بلغت 2.5 مليون جنيه.
أما المرحلة الثانية، فقد ركزت على تطوير مدخل الدير وساحته الرئيسية، بما في ذلك تبليط مدخل الكنيسة الأثرية، وتجميل واجهات المباني المحيطة، وتصميم جدارية تحكي قصة هروب العائلة المقدسة إلى مصر، فضلاً عن إنشاء بوابتين على الطريق المؤدي للدير، وتجديد الاستراحة السياحية بالكامل، بتكلفة إجمالية وصلت إلى 5 ملايين جنيه.