“أربعينية الشتاء” تقويم المصريين القدماء لموسم البرد
كتبت شيماء طه
لطالما كانت مصر القديمة مصدرًا للحكمة والمعرفة، ولم تكن تعاملاتهم مع الفصول المناخية إستثناءً.
برؤية علمية وحياتية، أسس أجدادنا تقويمًا دقيقًا لموسم الشتاء، أطلقوا عليه اسم “أربعينية الشتاء”، الذي يحدد بدقة مراحل البرد الشديد وتغيراته، موفرًا إرشادات واضحة لمجتمعهم الزراعي.
متى تبدأ وتنتهي أربعينية الشتاء؟
تمتد أربعينية الشتاء لمدة 40 ليلة، تبدأ من 25 ديسمبر وتنتهي في 2 فبراير. هذه الفترة قُسمت بدقة إلى مرحلتين رئيسيتين :
20 ليلة بيض (ليالي الضوء والصفاء)
10 ليالي الكوالح (من 25 ديسمبر إلى 3 يناير) : هذه الليالي تشهد بداية البرودة، حيث يصبح الجو قاسيًا لكنه مستقر.
10 ليالي الطوالح (من 4 يناير إلى 13 يناير) : البرودة تستمر، لكن مع بداية ظهور علامات الاستقرار المناخي.
20 ليلة سود (ليالي الظلام والزرع) :
10 ليالي الموالح (من 14 يناير إلى 23 يناير): البرودة تصبح أشد قسوة، وهي فترة صعبة لكنها تحمل الخير للمزارعين.
10 ليالي الصوالح (من 24 يناير إلى 2 فبراير): البرودة تبدأ في الإنحسار، وتصبح أكثر إحتمالًا، معلنة قرب إنتهاء الأربعينية.
الليالي السود : رمز الخير والزراعة
رغم قسوة الليالي السود، إلا أنها كانت محببة لدى المصريين القدماء، وخصوصًا مجتمعهم الزراعي.
ففي هذه الفترة، “يفتح كل عود”، وهو تعبير عن الفترة التي تتجذر فيها النباتات في التربة إستعدادًا للنمو والإنبات.
كان هذا يشكل بُشرى خير للمزارعين بأن موسم الحصاد سيحمل إنتاجًا وفيرًا.
ما بعد الأربعينية: تقلبات وإنتهاء البرد
بعد إنتهاء الأربعينية في 2 فبراير، تبدأ 10 ليالي العزازة (من 2 فبراير إلى 11 فبراير)، حيث يتقلب الجو بين الدفء والبرودة. تليها 3 ليالي القرة (من 12 فبراير إلى 14 فبراير)، وهي الفترة التي تصل فيها البرودة إلى أقصى درجاتها.
بحلول 14 فبراير، ينتهي موسم البرد تمامًا، ويبدأ فصل جديد، يحمل معه الدفء والنشاط الزراعي.
“أربعينية الشتاء” حكمة أجدادنا وعلاقتها بالزراعة
يُظهر هذا التقويم كيف إرتبطت حياة المصريين القدماء بالطبيعة، وكيف استلهموا من البيئة نظامًا دقيقًا يُعينهم على تنظيم حياتهم اليومية، وخاصة الزراعة ، كانت أربعينية الشتاء بمثابة دليل يُحدد أوقات الزراعة والحرث، ويُساعدهم على التعامل مع تقلبات الطقس.
“أربعينية الشتاء” ليست مجرد تقويم، بل هي دليل على عبقرية المصريين القدماء وتفاعلهم مع الطبيعة، حيث قدموا للعالم نموذجًا في كيفية فهم البيئة وإستغلالها لصالح الإنسان.