معبد أبو سمبل: أيقونة العظمة والحب والسلام في مصر القديمة
تتحدث النقوش الفرعونية والكتابات الهيروغليفية على جدران معبد أبو سمبل، عن قوة الملك رمسيس الثاني وانتصاراته العسكرية، وأبرزها معركة قادش الشهيرة ضد الحيثيين، التي أفضت إلى أول معاهدة سلام مكتوبة عرفها التاريخ. لكن عظمة المعبد لم تقتصر على الحروب والسياسة، بل حملت أيضًا لمسة رومانسية تعكس حب رمسيس لزوجته الملكة نفرتاري. بجوار المعبد الكبير الذي يعكس قوته العسكرية، شيد رمسيس معبدًا خاصًا لنفرتاري، مقدسًا أنوثتها ورافعًا مكانتها إلى مصاف الآلهة، وهو تعبير فريد عن الحب والوفاء في الحضارة المصرية القديمة.
تاريخ معبد أبو سمبل
وفي هذا السياق قال الدكتور أحمد مسعود، كبير مفتشي آثار أبو سمبل، أن المعبد ظل مدفونًا تحت الرمال لقرون حتى اكتشفه الرحالة السويسري يوهان بورغ هارت عام 1813 خلال رحلته للبحث عن منابع النيل. لاحظ بورغ هارت جزءًا صغيرًا من المعبد يظهر فوق الرمال وسجله في مذكراته. بعده بثلاث سنوات، جاء المستكشف الإيطالي جيوفاني بلزوني، الذي استغرق نحو عشر سنوات لإزالة الرمال التي غطت المعبد. على الرغم من أن طريقته في التنقيب كانت غير علمية وتسببت بأضرار، إلا أنه ينسب إليه الفضل في الكشف عن هذا المعلم الأثري العظيم.
اسم “أبو سمبل” له قصة مرتبطة بالسكان المحليين الذين لم يرغبوا في الكشف عن موقع المعبد. لكن طفلًا صغيرًا دل المستكشفين على المكان، فارتبط اسم المعبد بهذا الطفل وفق رواية شائعة، بينما كان المسمى الفرعوني للمعبد “بر-رمسيس”، والذي يعني “بيت رمسيس محبوب آمون المعظم بانتصاراته”.
أهم المعارك
بني معبد أبو سمبل قبل نحو 3200 عام في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، خلال عهد الملك رمسيس الثاني، ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشرة. امتد حكم رمسيس إلى 67 عامًا، شهدت طفرة معمارية وعسكرية. جدران المعبد تُخلد انتصاراته في الحروب، كما يُبرز تصميمه المعماري قوة رمسيس وعظمته. واجهة المعبد، المحفورة في صخرة جبلية ضخمة، يبلغ ارتفاعها 33 مترًا وعرضها 38 مترًا، وتتقدمها أربعة تماثيل عملاقة للملك بارتفاع 20 مترًا لكل منها، تمثل رمسيس جالسًا على العرش. إلى جانب هذه التماثيل، تظهر تماثيل أصغر حجمًا تمثل أفراد الأسرة الملكية، إضافة إلى نقوش للشمس المقدسة و22 قرد بابون، ترمز إلى عبادة الشمس في مصر القديمة.
أشار الدكتور مسعود إلى أن معركة قادش، التي خاضها رمسيس الثاني ضد الحيثيين، كانت واحدة من أعظم المعارك في التاريخ المصري القديم. استمرت الحروب بين الطرفين 23 عامًا، حتى وقع الجانبان معاهدة سلام تُعتبر الأولى من نوعها في التاريخ. جدران معبد أبو سمبل وثقت هذه المعاهدة، ما يجعل المعبد شاهدًا خالدًا على براعة المصريين في تحقيق السلام بجانب قوتهم العسكرية.
لا يعكس معبد أبو سمبل فقط قوة الفرعون العسكرية، بل يجسد عظمة الحضارة المصرية القديمة، بتراثها الذي يجمع بين الفنون، الحب، والدبلوماسية، ليظل رمزًا خالدًا للفخر الوطني ومقصدًا عالميًا للسياح والباحثين عن عراقة التاريخ.