جامع سيدي رمضان: حكاية مسجد يحمل ذاكرة الجزائر الإسلامية
تزخر الجزائر بمساجد عتيقة تحكي عن تاريخ طويل من التعلق بالإسلام، منتشرة في مختلف محافظاتها الـ58. ومن بين هذه المساجد يظهر اسم “جامع سيدي رمضان” كواحد من أقدم وأهم المعالم الدينية التي تقف شاهدًا على حقبة غنية بالأحداث الإسلامية في الجزائر. هذا المسجد، الذي يقع في قلب حي القصبة العتيق بالعاصمة الجزائرية، يحمل في كل زاوية منه بصمة تاريخية تمتد لأكثر من عشرة قرون.
تاريخ جامع سيدي رمضان
بني جامع سيدي رمضان على أنقاض المدينة الرومانية القديمة “إيكوزيوم” ليكون شاهداً على عراقة الحضارة الإسلامية. تأسس المسجد بين القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي على يد بني مزغنة، الذين جعلوا منه جزءاً من دولتهم الممتدة. وفي عام 973 ميلادية، أُعيد تدشينه في عهد بولوغين بن زيري، ليصبح واحداً من أقدم مساجد الجزائر وأكثرها رمزية.
أصل التسمية
أضاف اختلاف الروايات حول تسمية المسجد إلى غموضه جاذبية خاصة. يقال إن التسمية تعود إلى القائد الإسلامي عقبة بن نافع، الذي استقر في الجزائر ودفن في أحد أركانه، بينما تشير روايات أخرى إلى ولي صالح يدعى “سيدي رمضان” كان من علماء الفقه المالكي والحنفي وارتبط اسمه بهذا المعلم الديني.
كما تعرضت معظم مساجد الجزائر خلال فترة الاحتلال الفرنسي، لمحاولات تغيير هويتها، إلا أن جامع سيدي رمضان نجا من تحويله إلى كنيسة أو ثكنة عسكرية. ومع ذلك، لم يسلم من المصادرة، حيث استولت سلطات الاحتلال على أوقافه التي كانت تشمل 50 عقاراً، مما أثر على موارده المالية التي كانت تخصص للصيانة وإعالة موظفيه.
هندسة تستلهم الطراز المغاربي
يمتد جامع سيدي رمضان على مساحة 400 متر مربع، ويستوعب حوالي ألف مصلٍ، ويتميز بمئذنته المغاربية التي ترتفع لعشرة أمتار. تصميمه الداخلي يعكس طابعاً معمارياً بسيطاً ومميزاً، حيث يحمل سقفه 18 عموداً حجرياً تتوزع بشكل متناسق، إضافة إلى محرابين، و”سقيفة” تقود إلى قاعة الصلاة المهيبة. كما يحتوي على “البويتة”، وهي غرفة صغيرة مخصصة للإمام.
رغم مرور القرون وتعدد المساجد في الجزائر، يظل جامع سيدي رمضان وجهة مفضلة لسكان العاصمة، خاصة خلال شهر رمضان. حلقات الذكر، صلاة التراويح، والتهجد تضفي على المكان روحانية خاصة، تجعل من المسجد مركزاً للإيمان المتجدد والارتباط العميق بالدين الإسلامي.
جامع سيدي رمضان ليس فقط مبنى عتيقاً، بل هو رمز للهوية الإسلامية في الجزائر وحارس لذاكرة الأمة، حيث يروي للعالم قصة شعب ظل متمسكاً بدينه وثقافته رغم كل التحديات.