صموئيل العشاي يكتب: لماذا يفرح المسلمون بعيد ميلاد المسيح؟
صموئيل العشاي يكتب: لماذا يفرح المسلمون بعيد ميلاد المسيح؟
ميلاد السيد المسيح هو حدثًا عظيمًا له مكانة خاصة في الإسلام، ويجسد رمزًا للقدرة الإلهية والقيم الإنسانية النبيلة التي تتشارك فيها الرسالات السماوية. يفرح المسلمون بميلاد المسيح تعبيرًا عن تقديرهم لشخصه الممجد، واعترافًا بالقيم السامية التي حملتها في حياته، والتي تتجلى في الدعوة إلى المحبة والتسامح.
مكانة السيدة مريم في الإسلام
السيدة العذراء مريم، أم المسيح، تحظى بمكانة رفيعة في الإسلام، حيث خصّها القرآن الكريم بالاصطفاء والطهارة ورفعها فوق نساء العالمين. يقول الله تعالى في كتابه العزيز:
{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران: 42).
هذه الآية الكريمة تؤكد اصطفاء الله للسيدة مريم بسبب تقواها وإخلاصها. عاشت مريم حياتها مكرسة نفسها لعبادة الله ا.
وعندما بشّرها الملاك بولادة السيد المسيح من دون أب، أظهرت مريم قوة إيمان نادرة وصبرًا عظيمًا، رغم إدراكها للتحديات التي ستواجهها في مجتمعها. يقول الله عنها:
{وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً} (المؤمنون: 50).
لقد كانت حياتها مع طفلها معجزة عظيمة. لم تكن ولادة المسيح حدثًا عابرًا، بل كانت رسالة للبشرية جمعاء تدعوهم إلى الإيمان بقدر الخالق على تحقيق ما يتجاوز حدود العقل البشري.
السيد المسيح يحتل مكانة استثنائية في الإسلام، حيث وصفه الله بأنه “كلمة منه” و”روح منه”. يقول تعالى:
{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} (آل عمران: 45).
منذ ولادته، كان المسيح عليه السلام معجزةً إلهيةً فريدة، إذ وُلد من أم دون أب، ما يعكس قدرة الله المطلقة على الخلق والإبداع. لم تقتصر معجزاته على ولادته فقط، بل استمرت طوال حياته من خلال أعمال عظيمة، مثل شفاء المرضى، وإحياء الموتى، وإخبار الناس بما يخفونه.
السيد المسيح كان حاملًا لرسالة تدعو إلى التواضع، والإحسان، ونشر المحبة بين الناس. يقول الله تعالى على لسانه:
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (مريم: 31).
كانت هذه الرسالة دعوة إلى إصلاح القلوب، ونشر الخير، وإرساء قيم العدالة والسلام في المجتمع.
القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية
رغم اختلاف الأديان، فإن الإسلام يشارك المسيحية في كثير من القيم والمبادئ التي جسدها السيد المسيح، مثل نشر المحبه و السلام، والتسامح بين البشر. النبي محمد صلى الله عليه وسلم أظهر احترامًا كبيرًا للسيد المسيح، وقال:
“أنا أولى الناس بابن مريم؛ ليس بيني وبينه نبي.”
هذا التصريح يؤكد التقارب الروحي بين الإسلام والمسيحية، ويعزز مفهوم الأخوة الإنسانية المشتركة التي تتخطى الحواجز الدينية والثقافية.
لماذا يفرح المسلمون بميلاد المسيح؟
فرح المسلمون بميلاد السيد المسيح ينبع من تقديرهم لما يحمله هذا الحدث من قيم سامية ومعانٍ روحية. فالمسيح ليس فقط مُكرمًا في الإسلام، بل انه رمزًا للتواضع، والطهارة، والمحبة، وبحمل رسالة سلام وحب للعالم. القرآن الكريم يذكر السيد المسيح وأمه العذراء مريم كنماذج خالدة للطهارة والتضحية، وهو ما يجعل المسلمين يعتزون بذكراهما.
رسالة الميلاد: دعوة للوحدة والسلام
يمثل ميلاد السيد المسيح مناسبة تذكّر البشر جميعًا بقيم الخير، والمحبة، والسلام. في عالمنا المعاصر، حيث تتزايد الانقسامات والصراعات، تأتي ذكرى ميلاد المسيح كدعوة لتقوية الروابط الإنسانية، والعمل على بناء عالم أكثر تسامحًا ووحدة.
ختامًا، قصة ميلاد السيد المسيح وأمه السيدة مريم ليست مجرد ذكرى دينية، بل هي رسالة عالمية تتجاوز حدود الزمان والمكان، تلهم القلوب، وتدعو الجميع إلى نشر قيم المحبة والتآخي.
شكر خاص للشيخ الجليل / صالح عباس جمعة وكيل الأزهر الشريف ومدير المعاهد الأزهريّة السابق علي مراجعته لنص المقال وإشادته به.