تاريخ ومزارات

جامع الحيدرخانة: رمز بغداد الثائر بين التاريخ والتراث

يعتبر جامع الحيدرخانة هو أحد أهم المساجد التاريخية في بغداد، يقف شامخًا في شارع الرشيد بمحلة الحيدرخانة. كما أسسه الخليفة العباسي الناصر لدين الله، وتجدد بناؤه في الحقبة العثمانية ثم أعيد تعميره في مراحل لاحقة، ليصبح شاهدًا حيًا على تحولات الزمن.

التسمية وأصولها التاريخية

وفي هذا الصدد أشار المؤرخ عماد عبد السلام رؤوف إلى أن تسمية الحيدرخانة ترتبط بتكية قديمة نسبها الناس إلى رجل صوفي يدعى حيدر، وكانت تقع عند مدخل السوق القديم. أما الرواية الأخرى فتذكر أن التسمية تعود إلى حيدر جلبي الشابندر، أحد أعيان بغداد، الذي بنى الحمام المشهور “حمام حيدر”. كما أضاف المؤرخ مصطفى جواد أن الحيدرخانة سميت نسبة إلى هذا الرجل الذي كانت له مكانة بارزة في المجتمع البغدادي.

البناء وإسهامات داود باشا

شهد الجامع توسعًا كبيرًا في عهد الوزير داود باشا الكرجي، آخر ولاة المماليك، الذي أنشأ فيه مدرسة لتدريس العلوم العقلية والنقلية، وسماها “المدرسة الداودية”. كما كان الجامع مركزًا للعلم، واستقطب علماء بارزين مثل الشيخ عيسى البندنيجي والشيخ محمود شكري الآلوسي. كما احتوى على مكتبة زاخرة بالمخطوطات القيمة التي وثّقها المؤرخون.

معمار يروي الإبداع

يتألق الجامع بتصميمه المعماري الفريد؛ إذ يحوي قبة كبيرة تتوسط البناء، مدعومة بأربعة دعائم ضخمة. كما زينت القبة بزخارف نباتية ونقوش قرآنية بالخط العربي البديع. يمتد حول الجامع فناء واسع، يحيط به مجموعة من الغرف والقاعات، كانت تستخدم لخدمة المصلين وطلاب العلم. المصلى الصيفي والشتوي صُمما لتلبية احتياجات المصلين في مختلف الفصول، مما يبرز عبقرية التصميم.

جامع الثوار وثورة العشرين

لم يكن جامع الحيدرخانة مجرد مكان للعبادة؛ بل كان محطة للثوار أثناء ثورة العشرين، حيث اجتمع فيه أعيان بغداد لتحريك الجماهير. كما عرف حينها بـ”الجامع الثائر”، وشهد خطب الملا عثمان الموصلي التي أشعلت حماس الشعب ضد الاحتلال.

تجديد مستمر

كما خضع الجامع لعمليات تجديد متعددة، أبرزها في عهد السلطان العثماني عبد الحميد الثاني عام 1311هـ، ثم تجديد آخر في سبعينيات القرن العشرين. خلال الترميم، عثر على حجر يثبت أن شخصًا يدعى حسن جدد بناءه في عام 1207هـ، مما يضيف إلى غناه التاريخي.

مكانته

ارتبط الجامع بحياة أهالي بغداد ثقافيًا ودينيًا؛ فقد سكنت محيطه عائلات مرموقة، وأنجبت المحلة علماء وأدباء أثروا الحياة الفكرية في العراق. إلى اليوم، يستمر الجامع في استقبال المصلين، ويحافظ على دوره كمركز روحي وثقافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى