سر دفن المصريين القدماء للقرود.. ما علاقتها بـ الشمس؟
أميرة جادو
تعتبر الحضارة المصرية القديمة من أكثر الحضارات غموضًا، فهي لم تكشف كل أسرارها بعد، حيث تكشف الدراسات الحديثة أبعادًا جديدة ومذهلة عنها، ومن بين هذه الأبعاد كل ما يتعلق بعملية “الدفن والتحنيط“، فلم تقتصر دفناتهم على الإنسان فقط، بل كان للحيوان نصيب، ومن ذلك دفن القرود، فلماذا كان يتم ذلك؟
سر تقديس المصريين القدماء للقردة
ووفقًا لما ذكرته الكاتبة زينب عبد التواب رياض، في كتابها “العبادة الحيوانية بين الدفن والرمزية فى مصر وبلاد الشام والعراق.. فى عصور ما قبل التاريخ”، فأن القرد “بابيو هامديراب” يعتبر من أبرز أنواع القردة في مصر القديمة، والذي لفت انتباه المصريين بذكائه وحركاته الشبيهة بالإنسان. ولاحظوا أنه يتجه للأماكن المرتفعة عند شروق الشمس، مما جعله رمزًا للشمس عند المصريين القدماء.
اكتشاف دفن القردة
وفي جبانة “هيراكونبوليس” الملكية، التي تعود لنهاية عصر ما قبل الأسرات، تم العثور على بقايا هياكل قردة البابون، وتضاربت الآراء حول عدد القردة المدفونة في المقبرة رقم 12؛ حيث أشار بعض الباحثين إلى وجود ستة قردة، ببينما ذكرت Adams أنَّ المقبرة كانت قد اشتملت على أربعة من هياكل القردة واثنين من جماجمها، وذلك في جزء على الجانب الشرقي من المقبرة رقم204 ويذكر كلٌّ من Van Neer وLinseele في أحدثِ نتائج الدراسات التي نشرت. أنَّ البقايا العظمية التي عُثر عليها للقردة في المقبرة رقم 2، إنما هي على الأقل لسبعة من القرود.
كما أظهرت دراسة البقايا العظمية وجود كسور في أقدام أربعة من القردة السبعة، علاوة على اكتشاف كسرٌ في الأقدام الأمامية للبعض منها. وتشير هذه الكسور إلى بقائها في الأسر من أربعة إلى ستة أسابيع في الأسْر، مما أوجد هذه الكسور بأقدامها.
وفيما يتعلق بأعمار هذه القردة، فتوصل العلماء بعد دراسة أسنانها إلى أن أعمارها كانت تتراوح ما بين ثماني إلى اثني عشر عامًا.
تفسير الغرض من تلك الدفنات
يرى بعض الباحثين أن دفن القردة تعكس ارتباطها بشروق الشمس. خصوصًا وأن القردة كانت عادةً ما تهلل لمشرق الشمس، فارتبطت بها بعلاقة رمزية، حيث اعتبر المصري القديم هذه القردةَ مرتلةً لنشيدٍ يمجِّد شروق الشمس في الصباح، بل وعند الغروب. مما أكد الاعتقادَ بارتباطها بالشمس.
فيما اعتبر آخرون أن القردة ارتبطوا بفكرة إعادة الميلاد والبعث، نظرًا لارتباطها بقوة الحياة والخصوبة، وربما تمثِّل دفناته رمزًا لارتباطات جنائزية تتعلَّق بإعادة البعث.
القردة كانت تمثل الإله “حد-ور” في عصر ما قبل الأسرات. وعثر له منذ هذا العصر على العديد من التماثيل التي جاءت بهيئة القرد الجالس.
كما اعتبر المصري القديم أن القرد رمزًا للمعبود جحوتي، أو “رب الحكمة” عند المصريين القدماء. وذلك لأنَّ قرد البابون، الذي اتخذه جحوتي رمزًا له، كان يتميز بالهدوء والرزانة والذكاء والحكمة، وكان قد لاحظ المصريين القدماء ذلك. فجعلوا له تلك القداسة التي ظهرت إرهاصاتها الأولى بدءًا من عصرِ ما قبل الأسرات، وظلَّت واستمرَّت طوال مراحل العصور التاريخية.
أهمية القردة عند المصريين القدماء
وفي جبانة HK6 بـ “هيراكونبوليس” لم تكن مجرد مكان دفن. بل أشبه بمعرض للحيوانات الملكية، التي احتفظت بدلالات رمزية ودينية عميقة، نتج عنها الاهتمام بدفنها بعد موتها في هيراكونبوليس. أم إنها كانت بمثابة حيوانات مفضلة لأصحابها، فدفنت معهم بنفس الجبانة. أم هي من الحيوانات التي كان قد ضحي بها، كنوع من الأضحيات الحيوانية الهامة، وما كل ذلك إلا دليل على اهتمام المصري بالقردة وحبه لها وتقديسها منذ أقدم العصور.
والجدير بالإشارة أن تقديس القردة لم يتوقف عند عصر ما قبل الأسرات. بل امتد إلى مواقع أخرى ووصل حتى العصر المتأخر، وانتشر حتى النوبة السفلى. مما يؤكد مكانة القردة في الفكر الديني المصري القديم. وما زالت الأبحاث والتنقيبات تكشف المزيد عن أسرار دفن القردة، مما يضيف لبنة جديدة لفهم الحضارة المصرية القديمة.