تاريخ ومزارات

كنيسة القصير: تاريخ طويل من القداسة بأرض العراق

تعد كنيسة القصير واحدة من أقدم الكنائس في العراق والشرق الأوسط. وتقع في موقع تاريخي مميز وسط الصحراء الغربية، إلى الجنوب الغربي من مدينة كربلاء المقدسة بحوالي 65 كلم. يبعد موقع الكنيسة عن حصن الأخيضر التاريخي الشهير 7 كلم شمالًا. بينما تقع مدينة عين التمر إلى الجنوب منها مسافة 15 كلم. ما يميز هذا الموقع هو وجود وادي الأبيض الذي كان يعتمد على مياه الأمطار والسيول في فصل الشتاء، مما يضفي عليه طابعًا طبيعيًا فريدًا.

تاريخ كنيسة القصير

تعد كنيسة القصير جزءًا من مجمع أكبر من الكنائس تعرف بكنائس القصير. اسم “الأقيصر” قد يكون تصغيرًا لكلمة “الأقصر”. وذلك بسبب وجود العديد من القصور التاريخية في المنطقة مثل قصر الأخيضر، قصر البردويل، وقصر شمعون. هذه الكنيسة تم بناؤها في موقع كانت المدينة فيه مزدهرة بالحياة قبل الإسلام. وكان أغلب سكانها من المسيحيين.

وفي هذا الصدد قال ماهر الخليلي أستاذ التاريخ بجامعة بغداد، أن الكنيسة تحتوي على العديد من الآثار المهمة، مثل رسوم لصليب على جدرانها، بالإضافة إلى كتابات آرامية تعود إلى القرن الخامس الميلادي، وفقًا للدراسات الأثرية. بالقرب من الكنيسة، وعلى بعد حوالي 20 مترًا، توجد مقابر يعود جزء منها إلى رهبان الكنيسة ورجال الدين المسيحيين الذين قدموا خدماتهم وتعاليمهم في هذه المنطقة. المقابر الأخرى تعود إلى عامة الناس من المسيحيين الذين دفنوا في هذه الأرض المقدسة. وقد شيدت هذه المقابر من الحجر والجص وكسيت جدرانها الداخلية بالجص الأبيض.

مميزات الكنيسة

تتميز الكنيسة بهيكلها المعماري الفريد، حيث يحيط بها سور من الطين يتضمن أربع أبراج في أركانه، كما تحتوي على 15 بابًا يعلوها أقواس دائرية. طول الكنيسة يبلغ 16 مترًا وعرضها 4 أمتار، وقد شُيدت باستخدام الطابوق الآجر والطابوق الفرشي والجص. كانت الكنيسة مقصدًا لزوار المسيحيين الكلدانيين لعدة قرون، وكانت تعد واحدة من الأماكن المقدسة في المنطقة.

مع ذلك، تعرضت الكنيسة إلى العديد من أعمال التدمير والإهمال على مر السنين. في عهد النظام البائد، حولتها قوات صدام حسين إلى موقع لتدريب الجنود قبل عام 2003، مما تسبب في تشويهها. بعد سقوط النظام، تعرضت الكنيسة لعمليات نهب واسعة طالت حتى المقابر التاريخية في محيطها، حيث كان اللصوص يبحثون عن الكنوز المزعومة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العوامل البيئية والإهمال الطويل قد أديا إلى تدهور حالتها بشكل كبير، حيث لم يتم القيام بأعمال صيانة أو ترميم لهذه الكنيسة العريقة.

كنيسة القصير، التي كانت ذات يوم رمزًا للقداسة والتاريخ المسيحي في المنطقة، تحمل اليوم العديد من الجروح التي تعكس تاريخًا طويلًا من التحولات والآلام التي مرت بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى