تاريخ ومزارات
“الخيزران”.. والدة هارون الرشيد التي كتبت نهاية عائلتها بطمعها
أسماء صبحي
“الخيزران” هي زوجة الخليفة المهدي العباسي ثالث الخلفاء العباسيين، حكم من 158-169هـ، وهي نموذج لشخصية المرأة القوية المتسلطة التي لم تكتف بالدور التقليدي للنساء في عصرها، بل سعت إلى ممارسة السلطة والحكم، استنادًا لكونها الزوجة الأثيرة للخليفة العباسي المهدي بن جعفر المنصور، وأم الخليفة الهادي، لكن، لهذه الرغبة الجامحة بالتسلط والتحكم كانت نهايتها مأساوية عليها وعلى محيطها الأسري.
أصول الخيزران
اختلف المؤرخون حول أصلها، فقيل أنها جارية بربرية من اليمن، فهي سمراء شبه زنجية، او ربما بربرية من المغرب، وقيل إن بدويًا قد اختطفها وباعها في مكة للخليفة المنصور، وكانت ممشوقة القوام، ورائعة الجمال، طاغية الأنوثة، راجحة العقل، فوقع ولده المهدي في غرامها، وتزوجها وأصبحت أما لولديه موسى الهادي وهارون الرشيد
كانت في أيام زوجها المهدي صاحبة الأمر والنهي، ذات شخصية قوية وشديدة الحيوية، كما كانت ذكية تحسن الحديث والمناقشة والجدل، حيث أنها انتظمت في حلقات الدروس التي تلقى في المسجد على التلامذة والطلاب، ولما أصبحت في البلاط كانت تملك كل الأسباب والوسائل للاستماع الى أحاديث الشعر وأخبار العرب والأدب، وكانت ذات نفوذ وقوة ويخافها أولادها.
كيد الخيزران
وبهرت حياتها النخبة من سيدات القوم اللواتي كن يقلدن حليها وتسريحات شعرها، وكان لها سطوة على كبار الشخصيات في قصر زوجها الخليفة، وكان كيدها لا أول له ولا آخر.
نجحت الخيزران في إقناع زوجها الخليفة المهدى بتعيين ولديها كوريثين شرعيين له، واستبعاد أبناء النساء الأخريات، ومن بينهم أبناؤه من ابنة عمه الخليفة السفاح مؤسس الأسرة الحاكمة.
وعندما أصبح ابنها موسى الهادي وليًا للعهد على غير رغبتها، اتفق معها البرامكة أن تقنع زوجها الخليفة بخلعه وجعلها خالصة لهارون الرشيد، وبالفعل استجاب المهدى لطلبها وطلب منه التنازل عن ولاية العهد، فرفض الهادي وطرد الرسول وقال له (قل لأبي لو كنت اعلم أن ذلك من أمرك لأمتثلت ولكني لا أمتثل لأوامر النساء والجهلاء من الوزراء )
وعندما تولى ابنها موسى الهادي الخلافة، ستمرت الخيزران تتدخل في أمور القصر والدولة، وتسلك في الاستبداد بالأمر والنهي، وتلتقي كبار القادة في قصرها وتتدخل في تعيين كبار الضباط والولاة والحكام، حتى مضى على ذلك أربعة أشهر من خلافته، فبدأ الناس يتوافدون عليها، وطمعوا فيها فكانت المواكب تزدحم إلى بابها.
محاولة قتلها
وشعر الهادى بأنه مهدد بطموحات والدته، فحاول قتلها، إذ يقول الطبري في تاريخه الكبير: “حاول الهادي قتل والدته حين أرسل إليها أطعمة في طبق؛ لكن (الخيزران) عملت على أن يتذوق كلب من هذا الطبق أولا وقد سقط الكلب ميتًا على الفور، فأعلنت الخيرزان الحرب على ولدها”.
اتفقت الخيرزان مع البرامكه على التخلص من ابنها فأستأحروا له من يقتله عندما يستقبل المواطنين بعد صلاة الجمعة ولكن فشلت المؤامرة
واتفقت الخبزران مع البرامكة وزجة ابنها على دس السم له، كما أمرت جواريها الحسان التسلل إلى مخدع ابنها الخليفة حيث ينام وخنقه تحت الوسائد، فوضعن الوسائد على رأس الحاكم وجلسن عليها حتى أوشكت انفاسه إلى نهايتها وأخذ يحتضر .
وفاة ولدها
وعندما سمعت الخيزران بقرب نهاية ولدها الهادي قالت في بادئ الأمر: ما أفعل؟، فطلبت منها خادمتها أن تذهب إليه وتنسى كل الحقد والغضب، فدخلت الخيزران على ابنها فقال لها: “سامحيني ياأماه فقد كنت لك ناصحاً ولم أكن عاقاً وقد كرهت أن يتكلم الناس بأنك تخالطين رجالي فتذهب هيبتي”، ثم أسند رأسه إلى صدرها، ثم أسلم الروح.
ومع أن الخيزران اشتركت في المؤامرة رغبة في الحكم، إلا أنها لم تتحمل منظر ابنها وأحب الناس لقلبها يموت بين ذراعيها، فصرخت وبكت وشقت ثوبها، وقالت: “لا عشت بعدك يأمير المؤمنين”، ثم قامت وهمت للوضوء وصلت عليه، وبعد هذه الحادثة ذهبت للحج.
صراع جديد
وعندما تولى ابنها الثاني هارون الرشيد الخلافة، دخلت الخيزران في صراع جديد مع زوجته زبيدة، وكانت السبب فيما وقع بين حفيديها الأمين والمأمون من خلاف وصراع انتهى بمقتل الأمين.
ولم تعمر الخيزران طويلا بعد انتصارها على ولدها الهادي وجلوس ابنها المحبب هارون على كرسي الخلافة، فقد توفيت سنة 731 هجرية ولما تبلغ الخمسين من العمر في يوم ممطر، وشوهد هارون الرشيد يوم ماتت أمه حافياً يعدو في الطين حتى أتى وصلى عليها في مقابر قريش ببغداد في مقبرة سميت بأسمها مقبرة الخيزران.
وعندما خرج الخليفة الرشيد وضع له كرسي ليجلس عليه، فدعا الفضل بن الربيع ودفع إليه خاتم الوزارة قائلا: “كنت أهم أن أوليك الوزارة فتمنعني أمي فأطيعها”.