حاتم عبدالهادى السيد يكتب:السوريالية وأركولوجيا الذات
قصيدة "المعني الجديدة"والشاعر/عمارة ابراهيم
حاتم عبدالهادى السيد يكاب:السوريالية وأركولوجيا الذات.. قصيدة “المعني الجديدة”والشاعرعمارة ابراهيم
يباغتنا الشاعر عمارة ابراهيم في قصيدته: ” ظل ليس لي ” بتأسيسية أولي للذات والظل المضاف إلي شخص آخر، فهو يقدم مسروديات قصيدته عبر احالة الظل إلي مجهول، أو آخر مغاير، وهو يبدأ بمقدمة طللية تعلوها لغة ” الخطاب الشعري – عبر المناداة، وحديث الأنا مع الظلال : ” يا أيها الظل “، وتلك المقدمة تتماس في المخيال الشعري مع المقدمات الطللية العمودية لامرؤ القيس :
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فخطاب الليل يتسق مع خطاب الظل – هنا -، وإن نشدنا التأويل الإحالي للمعني الذي يرفده علي مخاطب لم يره، فالظل غير ملموس، لكننا نراه يتحرك معنا،ونشعر بحركته، لكننا لا نتمثله سوي بالشبيه،او هو القرين الصامت للذات، عبر تماثلات المُعطي الفلسفي، فمن منكم كَلَّم ظله، أو عرف حقيقته، ولكنها ظلال المعني عبر تماثلات اللاحقيقة، والبرهان العقلي، لا الروحي، فهو متخيل معلوم نشاهده، لكننا لا نعرف حقيقيته، سوي أنه ظلال لانعكاس الضوء علي مجسمات الجسد، عبر فيزيائية الصورة المخيالية في الذهن. ومن هذا المدخل الغرائبي ندخل إلي تشاكلات المعني الأركولوجي عبر فونيمات الصوت ، فالشاعر يكلم نفسه، ظله، كينونته اللا متماثلة عبر التماثل للصورة والظلال كذلك، ليقودنا الظل ومناجاته إلي سؤال الذات المتمثلة عن ذلك الشبيه الصامت، أو الشبح المتماثل والمختفي خلف ظلال التأويل والتخييل، والتَّقارنية التي تُحدِثُهَا الصورة والظلال، يسائله، ويدخل إلي المجتمع والعالم عبر رؤيوية الصورة البصرية التي تنشد تشاركية القارئ لهذا الذي يكلم ظله، بدون يقينية لديه في أنه ظله. ثم ينطلق بنا عبر الصور المشهدية التي يسترفدها من ” السينوغرافيا لينشد تشاركية للذات ، وللآخر البعيد،فيحيله معه إلي ذاتيته هو،فنتمثل جميعاً الظل وكأنه تجسيم لشخص يحدثه، ولكنه يقطع تلك المشهدية – عبر الازاحة – ويدلف إلي معني وموضوع آخر – دون أن ينتظر اجابة من ذلك الظل، الجماد، الشبيه، الآخر، المجهول، وكأن الظل هنا عتبة كونية للولوج إلي ما ورائيات المعني الذي سيجيء، وتلك لعمري أول تفسيرات قصيدة المعني التي ننشدها، والتي تطرح الأسئلة وتندلق إلي معانٍ أخري أوسع، كونية، وما بعد حداثوية مشهدية السينوغرافيا المشهدية، يقول :
يا أيها الظل
هل أنت ظلي الواقف
علي مدار رؤيتي؟
وهل تراني
وأنا أدقق
في تفاصيل حدودك
المتحركة
في سراب روحي
يروح ويأتي؟
هل تملك في الميادين
طرقات
وحدائق
يتوسطهن
تمثال
لا قلب له
ولا ظل يتحرك؟
أنت الآن لائذ
في قصيدة بائسة
تستجدي في ما تبقي
من أحرفها
التي توغلت
في مسامات حضوري
وفقدها.
ولنلحظ الحركة لذلك الظل الذي يتحرك في الروح والطرقات والحدائق وفي الميادين العامة لدي التمثال، فنشاهد الظل: يروح ويأتي، ويتوغل في مسامات الحضور والفقد، وهي مسألة فيزيائية لقانون الحركة والثبات، فهو لا ينشد المعني الظاهر، بل ينشد المعنى الموغل حلف ظاهر النص الشعري، وما خلف ظاهر الشعرية هو القصيدة البكر التي ننشدها في المعاني الثواني أيضاً .
وينتقل بنا الشاعر إلي مشهد آخر ينطلق من الظل وذاته إلي المعشوقة التي رآها تضحك للبحر وتناعي النوارس مع أشعة الشمس عبر صورة بصرية شيفونية تستحلب الجمال من الوهج، وتعيد تأسيس رومانتيكية بصرية عبر العلاقة بين ” الظل والشعاع، والشمس والنور، وكأنها انعكاسات الظلال علي ظلال المعني وحمولاته البصرية لمشهدية تجريدٍ سوريالية لصورة حبيبين علي شاطيء، وقد أخفت الشمس شعلعها، وطفقت ظلالها علي الحبيبين لتخفي عناق الحب المُتَّقِد، عبر تجريد الصورة من حمولاتها الدلالية، المحمولة كذلك علي الظلال، ومنظر الجمال الكوني لمرأي البحر واتساعاته، وفضاءاته الممتدة يقول :
لقد رأيتها منذ فترة
كانت تضحك للبحر ونوارسه
تتأمل الشمس
حين أخفت شعاعها
علي حبيبين
خرجا من جرحهما للتو
يرسمان لوحة سوريالية.
حاتم عبدالهادي السيد
رئيس بيت الشعر الإفريقي-الآسيوي
abdelhady.hatem@yahoo.com