النابغة الجعدي: شاعر الإسلام الذي أبهر النبي وسطر تاريخاً خالداً
النابغة الجعدي، أو قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة الجعدي العامري، هو أحد أعلام الشعراء الذين عاشوا بين الجاهلية والإسلام. وُلد في جنوب اليمن، وكان يُكنى بأبي ليلى. لُقب بالنابغة لأنه عاد إلى قول الشعر بعد انقطاع دام ثلاثين عاماً، وقد سبق زمنياً النابغة الذبياني.
عُرف النابغة في الجاهلية بورعه وتعبده، إذ قيل إنه كان يصوم ويصلي ويستغفر، وترك عبادة الأصنام قبل الإسلام. تضمنت أشعاره إشارات إلى التوحيد والبعث والجنة والنار، مما عكس تفكيره العميق قبل دخوله الإسلام. وفد على النبي محمد برفقة قومه وأسلم، وأنشده قصيدته الرائية التي أُعجب بها النبي وقال له: أجدت، لا يُفضض الله فاك، وهي دعوة بقيت تُذكر ككرامة للشاعر.
ورد ذكر النابغة الجعدي في العديد من المصادر، منها “سير أعلام النبلاء”، حيث وُصف بأنه شاعر زمانه، وله صحبة ورواية، كما قيل إنه عاش طويلاً حتى بلغ 120 عاماً أو أكثر. امتاز شعره بالمديح والهجاء والحكمة، وابتعد عن الألفاظ الغريبة، مما جعله قريباً من الناس. وقد تأثر بالإسلام، فظهر ذلك في أشعاره التي تضمنت ألفاظاً قرآنية وإشارات دينية.
شهد النابغة عهد النبي والخلفاء الراشدين، وكان موضع احترامهم وتقديرهم. شارك في فتح فارس وانحاز للخليفة علي بن أبي طالب في معركة صفين. بعد تولي معاوية الخلافة، تعرّض النابغة وأهله لبعض الضغوط، لكن معاوية أعاد إليه ممتلكاته بعدما هدده النابغة بشعره، مما يظهر شجاعته واعتزازه بنفسه.
النابغة تبادل الهجاء مع عدد من شعراء عصره، بينهم أوس بن مغراء والعجاج وكعب بن جعيل، ورغم ذلك لم تخلُ مسيرته من التقدير. صنفه النقاد في الطبقة الثالثة من الشعراء، وتميزت قصائده بطول النفس وبساطة التعبير، مع تفردها في تناول قضايا الإسلام والفخر بقومه.
بقيت أشعار النابغة موزعة في كتب الأدب واللغة حتى جمعتها المستشرقة الإيطالية ماريا نالينو وطُبعت لأول مرة في روما عام 1953. لاحقاً، قام عبد العزيز رباح بتحقيق هذه المجموعة، وأعاد المكتب الإسلامي نشرها عام 1964، ليبقى إرث النابغة الجعدي شاهداً على عبقرية شاعر عايش تحولات كبرى في تاريخ العرب والإسلام.