الآشوريون… إمبراطورية القوة والعنف وأمجاد حضارية منسية
الآشوريون، هذه القبائل العربية العريقة التي يعود تاريخها إلى حوالي 3000 ق.م، هاجروا إلى شمال بلاد الرافدين حيث عرفوا معارك دائمة وحروباً مريرة استمرت لألف عام، خضعوا خلالها لقوى أتت من أواسط آسيا. اشتق اسمهم من إلههم آشور، الذي كان رمزاً لقسوتهم وصلابتهم وقوتهم الحربية، فعاش الآشوريون للقتال وصبغوا حضارتهم بنار الحرب.
في عصورهم الأولى، خضع الآشوريون لسيطرة الملك البابلي الشهير حمورابي، ثم وجدوا أنفسهم عالقين بين الكاشيين من الجنوب والميتانيين من الغرب، لكن الملك آشور أرباليط تمكن من كسر سيطرة الميتانيين بفضل تحالفه مع الحثيين، مما أتاح له تأسيس دولة قوية.
امتدت الإمبراطورية الآشورية إلى مناطق واسعة، وصلت حتى مصر والأناضول، وبلغت أوج قوتها في عهد الملك آشور بانيبال الذي حكم بين 668 و626 ق.م، إلا أن الاعتماد المفرط على العنف العسكري ووحشية الجيوش الآشورية وكثرة الحروب أدت إلى انهيار الدولة عام 612 ق.م، حيث أتاح هذا الانهيار نشوء دولة قوية في بابل تحت حكم الأسرة الكلدانية التي كان من أبرز ملوكها نبوخذ نصر، الذي غزا مملكة يهوذا عام 585 ق.م. وسقطت بابل لاحقاً بيد قورش الفارسي عام 539 ق.م، مما مهد الطريق لسيطرة الفرس حتى مجيء الإسكندر المقدوني عام 331 ق.م.
تميزت الحكومة الآشورية بجعل الحرب محور سياستها، حيث اعتمدت أسلوب العنف المفرط في سحق المدن المغلوبة، وكانت تكافئ جنودها بعدد الرؤوس التي جمعوها. ولذا، كانت الإبادة مصير المدن التي تخضع للآشوريين، فعُرفت الامبراطورية الآشورية بدمويتها واستخدامها لوسائل قاسية في إدارة أمورها.
ومع ذلك، كانت الدولة الآشورية موطناً لحضارة متقدمة، فقد أظهرت الرُّقم الطينية التي عثر عليها في مكتبة آشور بانيبال والمكتوبة بالخط المسماري معرفة واسعة بالقوانين، ومنها شريعة حمورابي التي قد يكون الآشوريون طبقوا بعضاً من قوانينها. ورغم ذلك، تميزت القوانين الآشورية بدقة وصرامة أشد من شريعة حمورابي.
من بين أشهر ملوك الآشوريين نذكر ثغلا تفلاسّر الأول، آشور ناصر بال، شلمناصر الثالث، سرجون الثاني، سنحريب، أسر حدّون، وآشور بانيبال، أما مدنهم الرئيسية فكانت أشور، وكلخ، ونينوى، ودور شروكين. وعلى الرغم من قسوة هذه الدولة، فقد كانت مدنهم مركزاً لحضارة متقدمة في الهندسة والفنون والمعرفة، مما يضفي بعداً آخر على إمبراطورية لم تعرف إلا القوة والعظمة.