مرأه بدوية

علية بنت المهدي… شاعرة العصر العباسي ومبتكرة أناقة الجوهر

علية بنت المهدي، أخت الخليفة هارون الرشيد، تميزت بذكائها وجمالها وثقافتها الرفيعة، فكانت أديبة شاعرة تتقن الغناء وتعد من أجمل نساء زمانها وأكملهن فضلاً وعقلاً. اشتهرت بجمال وجهها وأدبها، لكنها كانت تعاني من اتساع في جبينها، فاتخذت عصابة مرصعة بالجوهر لتغطية جبينها، وهي أول من ابتكر هذا الزينة في عصرها، مما أضفى على أناقتها أسلوباً فريداً أثر لاحقاً في تقاليد النساء.

كانت تربطها علاقة مميزة مع أخيها إبراهيم بن المهدي، الذي تعلم منها فنون الغناء، وقد قيل إن ابن العباس لا يعرف له بنت توازيها في الحسن والعقل. ويشهد لها بالأدب العالي والتدين؛ حيث كانت تقضي معظم أيامها في الصلاة وقراءة القرآن، وإن تركت العبادة فإنها كانت تلهو بشيء من الغناء والشعر.

وتزوجت علية من موسى بن عيسى العباسي، ورغم بعض الحكايات التي تربطها بجعفر بن يحيى البرمكي، فإن هذا لم يكن مؤكداً في التاريخ. تركت ديواناً من الشعر يعكس إبداعاً أدبياً متفرداً، فأبياتها كانت تتسم بالصنعة الرفيعة والأناقة اللغوية، مما أضافها إلى قائمة أبرز الشاعرات في العهد العباسي.

نشأت علية في بغداد التي شهدت مولدها ووفاتها. وقد ورد في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني أن أمها مكنونة كانت مغنيةً شهيرة في المدينة، حيث كانت من جواري بني مروان، وعرفت بجمالها وحسن وجهها، واشترتها الخيزران للمهدي بمائة ألف درهم، لتكون جزءاً من القصر العباسي.

وكانت علية بنت المهدي صاحبة صفات جعلتها محط الأنظار، فقد كانت شاعرة مبدعة تلحن أشعارها وتغنيها بإحساس مرهف، وبالرغم من عيب بسيط في جبينها، جعلت من ذلك ميزة بإبداع زينة العصابة المرصعة بالجوهر التي اجتذبت إعجاب الناس.

كانت علية حريصة على الدين، فلم تكن تشرب أو تغني إلا في فترة انقطاعها عن الصلاة، وعندما تطهر تعود للعبادة وتلاوة القرآن وقراءة الكتب، وتفضل أن يكون الشعر هو متنفسها الوحيد بين الحين والآخر. وكانت تؤمن بأن الله جعل في الحلال بديلاً عن كل ما قد يجر إلى الحرام، وظلت تردد أنها لم ترتكب فاحشة قط، وأن ما تكتبه من شعر لا يخرج عن كونه تعبيراً عن اللهو البريء.

وقد تميزت علية وإبراهيم بن المهدي بمهارتهما في الغناء، حيث لم يعرف الإسلام أخاً وأختاً يتفوقان في هذا الفن مثلما فعلت هي وأخوها إبراهيم، بل كانت تتفوق عليه في كثير من الأحيان، ليبقيا رمزاً للتناغم الأدبي والفني في عصر الخلافة العباسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى