الشيخ همام بن يوسف: زعيم قبيلة الهوارة وصانع الدولة في صعيد مصر
أسماء صبحي
الشيخ همام بن يوسف، المعروف بشيخ العرب، يعد من أبرز الشخصيات القبلية التي أثرت في تاريخ صعيد مصر خلال القرن الثامن عشر. ولد الشيخ همام في منطقة فرشوط بمحافظة قنا، وسط عائلة هوارية قوية ذات نفوذ، وتزعم قبيلته، الهوارة، التي كانت تتمتع بثقل اجتماعي واقتصادي في صعيد مصر.
الصعود إلى الزعامة
بدأت قصة الشيخ همام عندما ورث زعامة قبيلته عن والده الشيخ يوسف الهواري. وفي تلك الفترة، كانت قبيلة الهوارة من أقوى القبائل في الصعيد، ليس فقط بفضل عددها وقوتها القتالية، ولكن أيضًا بسبب نفوذها الاقتصادي، حيث سيطرت على مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، مما منحها دوراً كبيراً في إدارة شؤون الحياة اليومية لسكان الصعيد.
تمكن الشيخ همام من بناء ما يشبه “دولة” مستقلة في صعيد مصر، حيث عمل على إقامة حكم ذاتي في المنطقة الممتدة من المنيا إلى أسوان. واتسمت فترة حكمه بالاستقرار الأمني، والتوسع في الزراعة والري، وإنشاء نظام إداري فعّال كان يشمل جمع الضرائب وحل النزاعات وتطبيق القانون. ولعل هذا الاستقرار كان أحد أسباب نجاح الشيخ همام في توحيد قبائل الصعيد تحت قيادته.
العلاقات مع الدولة العثمانية
رغم استقلالية حكمه، حرص الشيخ همام على الحفاظ على علاقات طيبة مع السلطات العثمانية الحاكمة في القاهرة، حيث كان يدفع الضرائب بانتظام إلى الولاة العثمانيين. ومع ذلك، كان الصراع بينه وبين السلطة المركزية يتصاعد بين الحين والآخر، بسبب طموحه المتزايد في حكم الصعيد كإقليم مستقل. وكان الشيخ همام يتبنى رؤية لحكم الصعيد ككيان موحد ومستقل عن الولاة الأتراك، مما أثار قلق الدولة العثمانية.
وتوجت قوة الشيخ همام ونفوذه بالصدام مع علي بك الكبير، الذي كان يطمح هو الآخر إلى توسيع سيطرته ونفوذه. وبدأ الصراع بين الطرفين يتحول إلى معركة مفتوحة للسيطرة على الصعيد. وفي نهاية المطاف، تمكن علي بك من إضعاف دولة الهوارة وإنهاء حكم الشيخ همام، مما أدى إلى زوال هذا الكيان شبه المستقل الذي أسسه في الصعيد.
إرث الشيخ همام
رغم أن حكم الشيخ همام انتهى بهزيمته أمام علي بك الكبير، إلا أن إرثه السياسي والاجتماعي لا يزال راسخاً في ذاكرة أهل الصعيد. فقد نجح في توحيد قبائل متعددة وجعل من قبيلته قوة مركزية لها وزنها في صعيد مصر، كما ترك تأثيراً كبيراً على الثقافة القبلية والنظام الاجتماعي في المنطقة.
الشيخ همام بن يوسف ليس مجرد زعيم قبيلة، بل هو شخصية تاريخية تركت بصمة في تاريخ الصعيد المصري، حيث استطاع خلال فترة حكمه أن يخلق نموذجًا لإدارة ذاتية محلية مستقلة، يشار إليها حتى اليوم كفترة ازدهار واستقرار في صعيد مصر.