السمسمية: نغمة السحر والمقاومة في بورسعيد
تعد آلة السمسمية رمزًا ثقافيًا فريدًا، فحين يستمع الناس إلى أنغامها الساحرة، يتملكهم سحرها فيبدأون بالبحث عنها في كل مكان، مستمتعين بالأجواء الاحتفالية التي تنشرها. وعندما يُذكر اسم السمسمية، تكون بورسعيد في مقدمة العاشقين لها، إذ لم تكن مجرد آلة موسيقية بل كانت الدافع لهم في أوقات الحرب والسلام. غنت السمسمية للحياة والمقاومة، حيث صدحت بأجمل الألحان، فقالت: غنِّ يا سمسمية لرصاص البندقية، وغنِّي للمدافع وللذين يدافعون، مؤكدةً دورها المحوري في توحيد مشاعر الوطنيين في تلك الأوقات العصيبة.
كانت السمسمية الأداة الأكثر تأثيرًا خلال حرب الاستنزاف، حيث استخدمها سكان القنال لتأجيج الروح الوطنية والمقاومة. أما في أوقات السلام، فلا تكتمل حفلات السمر والأفراح والمناسبات العامة في مدن القناة دون أن تتألق السمسمية، حيث تنشر البهجة وتلهب مشاعر الصحبة بموسيقاها وأغاني التراث الشعبي، مما يجعلها تعبر عن آلام وأفراح الناس بشكل مبدع.
في ليلة شم النسيم وأعياد الربيع، تتوجه الأنظار إلى بورسعيد التي تحتفل بشوارعها على أنغام السمسمية الرائعة، لتجسد تلك الأجواء الشعبية الأمل والفرح.
تاريخ السمسمية
تعود أصول آلة الطنبورة إلى النوبة، وقد انتقلت إلى بورسعيد من خلال عمال النوبة الذين عملوا في حفر القناة. اختار الكثير منهم البقاء وتعمير المكان، مما ساهم في نقل التراث النوبي إلى بورسعيد تدريجيًا. ومع مرور الوقت، ومع تزايد تنوع الثقافات في المدينة، بدأت الأغاني الجديدة تتشكل وتؤلف تراثًا خاصًا.
في ثلاثينيات القرن العشرين، تم تصنيع آلة السمسمية، التي كانت تعتمد على هيكل الطنبورة، ولكن بحجم أصغر، وانتشرت أولًا في مدن القنال الأخرى، خاصة السويس، ثم وصلت بورسعيد وأدخلت عناصر جديدة وأغاني تعبر عن الحياة اليومية للناس.
برزت قيمة السمسمية خلال العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956 ونكسة 1967، حيث أصبحت أغانيها أداة مقاومة فعالة، إذ كانت أغنية “غني يا سمسمية لرصاص البندقية” رمزًا من رموز المقاومة في مدن القنال.
تعتبر السمسمية آلة فنية مميزة، تعبر عن آلام الناس وأفراحهم بخمسة أوتار، هي “شرارة”، “الصداد”، “الرداد”، “المجاوب”، وأخيرًا “البومة”، لذا لم تُدرج في التخت الموسيقي، فهي تتجاوز النوتات المكتوبة.
أصل اسم السمسمية
اشتق اسم السمسمية من تحريف كلمة المسمسمة التي تداولتها الأجيال، حيث استخدم الأهالي أغانيها في كل المناسبات، من الفرح إلى الحزن.
أشهر أغاني السمسمية
تشمل الأغاني الشهيرة: “في بورسعيد الوطنية، شباب مقاومة شعبية، دافعوا بشهامة ورجولية، حاربوا جيش الاحتلال، مبروك يا جمال” و”في بورسعيد شباب ورجال، حاربنا جيش الاحتلال، سبع ليالي وصبحية، اه يا سلام يا سلام”.
آلة وترية فريدة
تتكون السمسمية من خمسة أوتار وعلبة صوت و”خشبات” و”ذراعين”، وكانت تتألف من طبق صاج مشدود عليه جلد، بالإضافة إلى “حوي” الذي يتم لفه على الفرمان لإنتاج الصوت. ومع تطور الآلة، زادت أوتارها لتتيح للغنائيين ممارسة المقامات الموسيقية، مما يجعلها آلة غنية بالتاريخ والثقافة.