أحمد الصافي النجفي: شاعر المنفى والحنين إلى الوطن
ولد الشاعر الكبير أحمد الصافي النجفي في مدينة النجف بالعراق، ونشأ في أسرة حجازية ذات جذور علمية ودينية راسخة. في سن مبكرة، التحق بالكتاب في النجف، حيث كان له شغف كبير بالعلم، مما دفعه لمواصلة دراسته الأدبية والدينية بشكل مستقل. وتُعد فترة شبابه في النجف حجر الأساس في بناء شخصيته الأدبية والفكرية، حيث تتلمذ على يد علماء المدينة وعكف على دراسة الفقه والدين.
من هو أحمد الصافي النجفي
توفي والده وهو في العاشرة من عمره، مما دفعه للابتعاد عن المدرسة. ولكنه لم يستسلم للتحديات، بل قرر أن يثقف نفسه بنفسه. بدأ في دراسة المنطق والنحو والصرف، حتى أصبح من أبرز الأدباء في جيله. وعندما توفيت والدته وهو في السابعة عشرة من عمره، أصيب بمرض عصبي أثر عليه بشدة، لكنه لم يترك المطالعة، حيث كانت المجلات والصحف مصدره الرئيسي للمعرفة.
كما ساهم أحمد الصافي النجفي في ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني في العراق، مما دفع السلطات إلى إصدار أوامر باعتقاله، فاضطر للهروب إلى طهران. هناك، قضى عدة سنوات بين المدارس، حيث درس اللغة الفارسية وصقل مهاراته في الأدب العربي. كانت هذه الفترة مهمة في حياته الأدبية، إذ ترجم “رباعيات الخيام” بشكل دقيق، كما نقل إلى الفارسية كتاب “علم النفس” لعلي الجارم وأحمد أمين، لتعليم طلاب دار المعلمين في إيران.
وفي عام 1927، عاد النجفي إلى العراق بعد استقلاله، لكنه وجد أن الأجواء العراقية القاسية تؤثر على صحته. فقرر مغادرة البلاد بناءً على نصائح الأطباء. كما توجه إلى سوريا ولبنان في ثلاثينيات القرن العشرين. حيث سكن في دمشق في غرفة متواضعة قرب سوق الحميدية، وكانت تلك الفترة مليئة بالمعاناة والإبداع. بالإضافة إلى ذلك، كانت بيروت محطة دائمة له، حيث كانت له هناك إقامة قصيرة في غرفة متواضعة قرب مستشفى أوتيل ديو.
انجازاته
أثناء إقامته في بيروت، شارك أحمد الصافي النجفي في ثورة العراق ضد الاحتلال البريطاني بقيادة رشيد عالي الكيلاني. وأصبح أحد الزعماء الذين قادوا التظاهرات الطلابية في لبنان. وقد أثرّت قصائده الحماسية في مشاعر الناس. لكن السلطات الفرنسية اعتقلته بتهمة الترويج للأفكار النازية. كما قضى في السجن 43 يومًا، ليخرج في النهاية ويصدر ديوانه الجديد “حصاد السجن”، الذي أصبح محط أنظار الكثيرين.
أصيب النجفي برصاصات قيل إنها طائشة خلال الحرب الأهلية اللبنانية. مما استدعى نقله إلى مستشفى المقاصد في حالة من الإغماء. وبعد أن تماثل للشفاء، قرر العودة إلى العراق بعد نفي دام أكثر من 46 عامًا. لكنه عاد شيخًا ضعيفًا، فاقد البصر، ليضع حدًا لفترة طويلة من الغربة ويكمل ما تبقى من أيامه في بغداد. هناك. كما توفي ودفن في النجف، مسقط رأسه.
و من بين مؤلفاته الشعرية التي تركت بصمة في الأدب العربي: “الأمواج” (1932)، “أشعة ملونة” (1938)، “الأغوار” (1944)، “ألحان اللهيب” (1947)، “شرر” (1952)، و”اللفحات” (1955). كما ترجم العديد من الأعمال المهمة، مثل “رباعيات عمر الخيام” (1926) و”حصاد السجن” (1949).