حاتم عبدالهادي السيد
تحظى المكتبة العربية بالعديد من الكتب التي تناولت أدب الأطفال في الوطن العربي، لكنني لم أجد كتاباً جمع فيه مؤلفه تاريخ نشأة أدب الأطفال ورواده وقضايا عامة وخاصة مثل ذلك الكتاب الذى بين أيدينا : ” أدب الأطفال في الوطن العربي للمؤلف والشاعر والباحث المصري القدير أحمد فضل شبلول، والذى أصفه بالكتاب الجامع لأدب الأطفال ومباحثه وتشاكلاته وقضاياه الصعبة والتي قلما تجدها بين دفتي كتاب ، بالإضافة الى أن الكاتب يجمع بين النظرية والتطبيق ، ويقدم النماذج الدالة ، ويستشهد بآراء سابقيه ومواقفهم تجاه مختلف القضايا العامة والخاصة التي يحتاجها دارس أدب الأطفال ، كما كانت للمؤلف تجاربه الشخصية من خلال عمله في معجم الطفولة ، وكذلك تجربته الرائدة للكتابة في أدب الأطفال وتقديمه النماذج – سواء من تأليفه – أو من خلال انتقائه لكثير من النماذج لكبار كتاب ورواد أدب الأطفال في الوطن العربي .
ان المؤلف هنا لم يكتف بذلك فحسب ، بل قدم النماذج الدالة والاليكترونية من خلال استخدام الحاسوب وتقنياته ، كما قدم العديد من النماذج التراثية ليجمع بين الأصالة والمعاصرة ، الى جانب شروحاته وتوضيحاته للكثير من القضايا التي تعرّض لها كتاب أدب الأطفال من صعوبات في كتابة هذا اللون الابداعي الذى يناسب أعمار الأطفال في أغلب أرجاء الوطن العربي ، والكتاب-0 فيما أرى – يمثل مرجعاً ، وسفراً من الأسفار الأدبية الكبرى في هذا المجال الشيق والشائك والشاهق كذلك .
لقد قسم المؤلف كتابه الى مقدمة وثلاثة أقسام ، يمثل كل قسم عناوين فرعية كثيرة ومتشعبة ، وعرض في المقدمة لأهمية الكتابة لأدب الأطفال والاهتمام بالطفل بداية من الأسرة والأصدقاء والمدرسة ونشوء الطفل وتدريبه منذ الصغر والاهتمام بالموهبة والابداع لديه ، الى جانب أهمية هذا المجال في اكتشاف الطفل المبدع ، ومدى الدور الذى تلعبه الأسرة والجماعة المدرسية في تأسيس المفاهيم الأولية للطفل ، ومدى النشأة الدينية وتأثيرها على قدرات وخيال الأطفال وتمسكهم بالقيم الانسانية والروحية والاسلامية الصحيحة اذ التعليم في الصغر كالنقش على الحجر ” .
وفى القسم الأول يعرض المؤلف للجدل الأدبي حول ريادة أدب الأطفال ومن له أفضلية السبق في هذا المجال ، الا أنه ينتصر للشاعر أحمد شوقي أمير الشعراء الذى كتب العديد من الدواوين الشعرية والمسرحيات الموجهة للطفل المصري والعربي آنذاك ، ثم نراه يفرد لأحمد شوقي فصلاً : ” في عيون دارسي أدب الأطفال ” .
ثم ينتقل بنا المؤلف الى اتجاه آخر لطيف ، لينقلنا الى تجربته الشخصية مع معجم شعراء الطفولة وكأنه يود الاشارة الى مزج ماهو نظري بما هو عملي وتطبيقي ، وليقدم ريادة خاصة للأدب السكندري – بصفته من الأسكندرية – وفيه يعرض الكاتب للظروف التي أحاطت به في مسألة جمع وتبويب المعجم والضوابط التي انتهجوها والمعوقات التي قابلتهم من أجل اخراج هذا الجهد الشاهق للمعجم الذى أفاد ويفيد الباحثين في هذا المجال الممتد ، يقول : (لقد أدى هذا إلى وجود اهتمام متزايد بأدب الأطفال الذي صارت له أبحاثه العلمية، وأقسامه الأكاديمية في بعض الكليات والجامعات العربية، الأمر الذي أدى إلى وجود رصيد نقدي وتأليفي وثقافي حول هذا الأدب، ولكن من ناحية أخرى لوحظ أن هناك بعض الكتاب والباحثين يكـررون جهود من سبقوهم في هذا الميدان، وأن هناك فريقا آخر يبدأـ دائما من الصفر ، وحول الدراسات التي قدمت إلى المكتبة العربية في هذا المجال، وخصوصا أثناء عملي في إعداد معجم شعراء الطفولة في الوطن العربي خلال القرن العشرين، ومع مزيد من التأمل في عالمنا المعاصر بتقنياته المؤثرة، ومفرداته التكنولوجية الجديدة وجدت أن لأدب الأطفال (بمعناه الشامل أو الواسع) نصيبا كبيرا من هذا التقدم التكنولوجي الذي أخذ يزاحم الكتاب المطبوع على الورق، لذا كان يجب أن تكون هناك وقفة حول الشكل الجديد والمؤثر في عالم الطفل وأدبه وثقافته الجديدة.
ويضيف شبلول : ( لقد قمت من قبل بوضع كتاب بعنوان “جماليات النص الشعري للأطفال” تابعت فيه جهود اثنين وعشرين شاعرا عـربيا قدموا أكثر من 525 نصا شعريا لأحبائنا الصغار، وذلك من خلال اثنتين وعشرين دراسة في نصوصهم قدموها عبر دواوينهم المختلفة. ، ولقد كتب الأوائل ـ من أمثال محمد عثمان جلال وأحمد شوقي ومحمد الهراوي وكامل كيلاني، ومحمد سعيد العريان ومحمد أحمد برانق وغيرهم ـ بحس داخلي، وقناعة أكيدة بضرورة وجود هذا اللون من ألوان الأدب الموجَّه لأطفالنا، فأبدعوا في هذا المجال ) .
وفى ” القسم الثاني ” – من الكتاب : يعرض لنا الكاتب أحمد فضل شبلول لشعر الأطفال ” مقالات ودراسات ” حيث يركز الكاتب على هذا الرافد المتنوع للكتابة للطفل من خلاله عرضه لنماذج عديدة للدراسات والمقالات التي كتبت حول هذا الباب مثل : مقالات وأشعار ….ثم يحاول الكاتب أن يحيلنا الى التراث الجميل من خلال عرضه للأسلوب التعليمي والتهذيبي في كتاب كليلة ودمنة، وهى القصص التى كتبت على ألسنة الطير والحيوانات لانتقاد السلطة ، ولنقد المجتمع بطريق غير مباشرة آنذاك ، وهذا ذكاء من الكاتب للولوج بأدب الأطفال الى عالم السياسة والمثيولوجيا من جهة ، وللتأكيد على الهروب المباشر للكتّاب من سطوة السلطة ، ونقد الظلم والجبروت آنذاك ، والاتجاه لاستعمال الخيال الابداعى في ايصال الرسالة الأدبية والتي جاءت على ألسنة الحيوانات والطيور وغير ذلك .
كما يعرض المؤلف لنماذج دالة على النص الأدبي للأطفال ، ويشير الى الاشتراطات والأساسيات العامة في أدب الأطفال ، كما يعرض لرواد أدب الطفل العربي في محاولة منه لربط التاريخ العلمي بالواقع المعاصر العربي ، كما يعرض للعديد من الرواد في هذا المجال الذين أثروا الابداع للطفل فيعرض في مقارنة لطيفة التباين في الرؤى بين كامل كيلاني ومحمد الهراوي ، ثم يأتي لنا بالنماذج الدالة والقصائد التى كتبت للأطفال من خلال فصل : ” أطفالنا في عيون الشعراء “، حيث عرض العديد من قصائد اللشعراء الى جانب نماذج من ابداع شبلول – ذاته – لنقف الى أحد رواد هذا المجال كذلك ، كما لا يكتف بذلك بل نراه يقدم العديد من الدراسات التي كتبت وكتبها عن أناشيد الأطفال وأغانيهم ، ثم يعرض لنا تجربة سامقة ونموذج عربي سعودي في هذا المجال في محاولة منه لإظهار الريادة العربية من خلال فصل عن : ” أدب الطفل وثقافته وبحوثه في جامعة الإمام ” ، ثم يتناول بالعرض والتحليل والتصنيف لكتب الأطفال المطبوعة في المملكة العربية السعودية من خلال فصل عن : الإنتاج الفكري المطبوع للطفل في السعودية .
وفى القسم الثالث للكتاب يعرض لنا الكاتب القدير أحمد فضل شبلول عدة مباحث مهمة وجديدة نسبياً على هذا اللون الابداعي للأطفال ، حيث يشير الى العلاقة الوثيقة الآنية بين : التكنولوجيا وأدب الأطفال ، وابراز أثر هذه التكنولوجيا والميديا الجديدة في تفتح قريحة الأطفال وفى تعدد وتشعب مجالات هذا الفن الراق وتحديثاته ، فنراه يعرض للقصة الالكترونية ، ويقدم النموذج الدال للكتابة الرقمية والقصص الاليكترونية من خلال عرضه لقصة : ” القرد والغيلم ” (قصة إلكترونية جديدة للأطفال ” ، كما يعرض لنموذج آخر بعنوان : ” من وحي كليلة ودمنة ” الى جانب العديد من القصص الاليكترونية مثل : “الطاووس المغرور (قصة إلكترونية للأطفال) وغير ذلك .
كما يتعرض لعدة قضايا تقنية تخصصية – ربما نبعت من خبرته الرائدة في هذا المجال كذلك – ومن هذه القضايا عرضه لقضية : “خصائص البرنامج الإلكتروني للأطفال ” كما يراه هو – كأحد الرواد الذين قدموا العديد من البرامج الاليكترونية للأطفال والكبار ومنها اسهاماته في تأسيس اتحاد كتاب الأنترنت العرب كذلك – كما أعرف ، وان لم يذكر المؤلف ذلك .
ان هذا الكتاب يعد مرجعاً لا يمكن الاستغناء عنه في دراسة أدب الأطفال – فيما أحسب – بل أطالب الوزارات والمؤسسات الثقافية المعنية بإعادة نشر وتقديم هذا الكتاب لما يتضمنه من فوائد متعددة ودراسات نظرية وتطبيقية وقواعد استرشادية لمن يحاول الدخول الى هذا العالم الوسيع لأدب الأطفال والذى يعد – كما أرى – من أهم روافد الابداع والنهضة للمجتمعات التى تريد اعادة انتاجية الواقع لبناء مجتمعات على أسس سليمة وبناء مجتمع فاضل يضمن النهوض بالطفل العربى ومجالات الطفولة والأسرة المصرية والعربية .
سيظل هذا الكتاب رائداً في هذا المجال ، وللحقيقة لم أر – على حد متابعتي الكثيرة في هذا المجال – كتاباً يحوى كل هذه القضايا والرؤى في كتاب واحد الى جانب تقديم النماذج والشروحات ، والرجوع الى المصادر وكتب الرواد في هذا المجال لنقول في النهاية : من يريد القراءة أو الكتابة عن أدب الأطفال فلابد له الرجوع أولاً وقراءة هذا الكتاب الرائع للمؤلف أحمد فضل شبلول ، وسيجد القاريء كل الاستفادة الممكنة تربوياً وتعليمياً وتكنولوجياً ، الى جانب الخبرة العملية للمؤلف ، واطلاعه والمامه بكل القضايا التفصيلية عن أدب الأطفال في الوطن العربي .
ستظل لأحمد شبلول ريادة البحث هنا ، وتقديم كتاب رائد ورصين يتيه بفخر واقتدار لتزهو مكتباتنا العربية بهذا الكتاب الأهم في تاريخ أدب الأطفال في العصر الحديث .