المعز بن باديس الصنهاجي: حاكم إفريقية الذي رسم مستقبل المغرب العربي
المعز بن باديس الصنهاجي، أحد أبرز حكام إفريقية في الفترة بين 398-454 هـ، هو حفيد المنصور بن بلكين وابن باديس الحميري الصنهاجي، والذي تولى حكم إفريقية وما جاورها من بلاد المغرب. شرفه حاكم مصر بلقب “شرف الدولة” وأرسل له وثيقة تعترف بهذا اللقب في ذي الحجة من عام 407 هـ، مما يبرز مكانته المرموقة في ذلك الوقت.
المعز لم يكن مجرد حاكم، بل كان شخصية رفيعة الشأن، عاشقاً للعلم والعلماء، كريم العطاء، ومصدر إلهام للشعراء والأدباء الذين غمروا مجالسه مدحًا. في تلك الفترة كان مذهب أبي حنيفة هو الأبرز في إفريقية، لكن المعز أخذ على عاتقه مسؤولية نشر مذهب الإمام مالك بن أنس بين أهل المغرب، وحسم الخلافات المذهبية بين الناس، ليصبح هذا المذهب هو السائد والمسيطر.
ومن أبرز الأحداث التي ميزت حكم المعز، موقفه الجريء من المستنصر بالله العبيدي حاكم مصر آنذاك. فقد قرر قطع الخطبة للمستنصر، واستبدالها بخطبة لخليفة بغداد الإمام القائم بأمر الله، مما أثار غضب المستنصر. أرسل له الأخير رسالة مليئة بالتهديدات، محاولًا إعادته إلى الولاء، إلا أن المعز أجابه بجواب حاسم يظهر فخره واعتزازه بأجداده الذين كانوا ملوكاً على المغرب قبل أن يتمكن أسلاف المستنصر من حكمه. بقي المعز متمسكاً بموقفه، ولم يخطب لأي من الحكام المصريين في إفريقية بعد ذلك.
حياة المعز كانت مليئة بالأحداث، فقد ولد في المنصورية، وهي مدينة إفريقية، في الخامس من جمادى الأولى، وتولى الحكم بعد وفاة والده باديس في المحمدية بإفريقية في الثالث من ذي الحجة عام 406 هـ. كانت فترة حكمه الأطول بين أفراد أسرته، وتميزت بالتحديات والإنجازات. رغم إصابته بضعف الكبد الذي أدى إلى وفاته في القيروان، ترك المعز بصمة لا تُمحى في تاريخ المغرب العربي، ورثاه الشاعر أبو علي الحسن بن رشيق بكلمات تعبر عن عظمة هذا الحاكم وتأثيره العميق.