عادات و تقاليد

“لعنة الميت”.. حكاية توارث الزوجات عند القبائل الإفريقية

أميرة جادو

لا تزال عادة توارث الزوجات تقليدًا راسخًا في العديد من المجتمعات الإفريقية، خصوصًا في المناطق التي تحكمها القيم والعادات المحافظة، المرتبطة بالحفاظ على مصلحة العائلة والقبيلة. هذا التقليد يفرض على الشباب التضحية وتحمل مسؤولية إبقاء أبناء ومال وجاه المتوفى داخل إطار العائلة.

على الرغم من التطورات الاجتماعية التي شهدتها بعض مجتمعات جنوب الصحراء الكبرى، والنجاح في التخلص من بعض العادات القديمة، إلا أن عادة توارث الزوجات لا تزال قوية وصامدة، خاصة في المجتمعات الريفية الأكثر تمسكًا بتقاليدها، مما يجعلها عادة يصعب تجاوزها.

الحفاظ على ميراث العائلة

تجبر هذه العادة الرجل، سواء كان شابًا أو متزوجًا، على الارتباط بأرملة قريبه المتوفى، بهدف الحفاظ على إرث الراحل، سواء كان ذلك من الأراضي أو الأبناء أو المال أو حتى المركز الاجتماعي داخل القبيلة أو العشيرة. وكلما أبدى الرجل، وغالبًا ما يكون الأخ الأكبر للراحل أو ابن عمه، استعدادًا لاحترام هذه العادة ورغبة في اتباعها، كلما ازداد تقدير محيطه العائلي له، حيث ينظر إليه على أنه قد ضحى بمصلحته الشخصية من أجل المصلحة العامة للعائلة.

في المقابل، فإن رفض الرجل الزواج من أرملة قريبه قد يجعله معزولًا عن الكثير من الامتيازات الاجتماعية، ما قد يؤثر على مكانته واحترامه في المجتمع القبلي، حيث يعتبر من يرفض إرث قريبه زواجًا، كأنه تخلى عن واجب اجتماعي وعائلي، مما يضعه في موقف لا يحسد عليه أمام أفراد قبيلته.

عادة متوارثة تتحدى رغبات الأفراد

في هذا الإطار، كشف الباحث السنغالي ممادو تراويه، أن توارث الزوجات في الكثير من المجتمعات الإفريقية يعدّ عادة تناسب حاجات العائلة والقبيلة، لذلك يتم فرضها كعرف اجتماعي دون مراعاة لرغبات الأفراد المعنيين بها، سواء كانوا الرجال الذين يجبرون على قبول إرث الزواج، أو الأرامل اللاتي قد يرغبن في البقاء على ذكرى أزواجهن الراحلين أو تأسيس عائلة جديدة بعيدًا عن محيطهن السابق.

كما أكد “الباحث”، أن بعض القبائل في منطقة جنوب الصحراء الكبرى تنظر إلى القبول بهذا الزواج على أنه نوع من الاحترام والعرفان للعائلة والقبيلة، دون اكتراث كبير لرغبات الشخص المعني ومدى رغبته في تكوين أسرة وفقًا لقناعاته الشخصية.

الحفاظ على المكانة الاجتماعية والعرف القبلي

وأردف “تراويه”، إن بعض القبائل لا ترى في هذا الزواج مجرد نقل للأصول أو الإرث من شخص متوفى إلى شخص حي، بل تنظر إليه على أنه نقل للمكانة والدور الاجتماعي. فوفقًا للأعراف الإفريقية، تتطلب مهمة الحفاظ على الأسر الممتدة والكبيرة بذل جهود كبيرة، خاصة إن كان الراحل يتمتع بمكانة اجتماعية أو دينية رفيعة، حيث تنتقل هذه المهام عادةً إلى وريثه. وبالتالي، فإن الحفاظ على هذا الإرث داخل العائلة يعني بالنسبة لهم الحفاظ على المكانة الاجتماعية والهيبة القبلية.

أعباء ومسؤوليات تتجاوز الميراث

يرى الباحث أن وراثة مسؤولية العائلة لا تعني دائمًا الاستيلاء على ممتلكات المتوفى أو إدارة ميراثه فقط، بل تتطلب غالبًا من الرجل الذي يقبل بهذا الإرث أن يتولى مسؤولية كاملة عن عائلة المتوفى، بما في ذلك الإنفاق على الأرملة والأبناء، والعمل على تنمية ممتلكات العائلة وتجارتها أو زراعتها، ما يضع عبئًا كبيرًا على الوريث، خاصة في المجتمعات التي تعتمد على الزراعة والاقتصاد الريفي.

لعنة الميت والخوف من انتقامه

في كثير من القبائل، تقع مسؤولية الارتباط بأرملة المتوفى والاهتمام بأطفاله على “الأخ الأكبر” أو أبناء عمومته. وتشمل الأعراف الاجتماعية لدى هذه المجتمعات مفهوم الزواج كاتحاد بين الأسر والعشائر، ما يعني أن وفاة أحد الزوجين لا يفترض أن تؤدي إلى إنهاء هذا الاتحاد. لذلك، ينظر إلى أفضل حل لضمان استمرار هذا الارتباط هو أن يتولى أحد رجال العائلة دور المتوفى، ويحل محله كزوج وأب وراع للعائلة.

تؤمن بعض القبائل بأن تجاهل هذه العادة سيؤدي إلى “لعنة الميت” التي قد تلحق الضرر بالعائلة بأكملها. من هذا المنطلق، تبذل جهود كبيرة من قبل العائلة والقبيلة لضمان نجاح هذا الزواج، خوفًا من “انتقام” المتوفى إن تم إهمال رعاية أرملته وأطفاله.

على الرغم من التطور الذي شهدته المجتمعات التقليدية، لا تزال العديد من القبائل تعتبر أن توارث الزوجات يوفر الحماية والاستقرار للأرامل والأيتام. بالنسبة لهذه المجتمعات، يمثل هذا التقليد ضمانًا لاستمرارية دعم العائلة للأرملة وأطفالها، وتأمين موارد العيش والرعاية لهم، ما يجعله، برغم جميع تحدياته، جزءًا لا يتجزأ من العادات التي تساهم في الحفاظ على تماسك القبيلة والأسرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى