الفخار: حرفة غزة التراثية التي صمدت عبر العصور
تُعتبر صناعة الفخار من أعرق الحرف التقليدية التي ارتبطت بالتراث الإنساني منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا، وهي تمثل جزءاً أصيلاً من تاريخ الحضارات. في غزة، تم اكتشاف قطع فخارية تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، بالإضافة إلى قبور مصنوعة من الفخار تعود إلى 1200 سنة قبل الميلاد، مما يؤكد على قدم هذه الصناعة وأهميتها في تلك المنطقة.
مدينة غزة القديمة كانت تحتضن حيّاً كاملاً مخصصاً لصناعة الفخار، والذي عُرِف بحيّ الفواخير، وكان يقع بالقرب من سور المدينة. هذا الحي شهد نشاطاً كبيراً في صناعة الفخار منذ زمن طويل، وقد استمر هذا الإرث حتى ما بعد عام 1948، حيث انتقلت الحرفة بالكامل إلى حيّ الدرج في غزة، لتواصل هذه الصناعة حيويتها وتكيفها مع المتغيرات التاريخية.
الخليل تُعدّ المدينة الثانية في فلسطين التي تشتهر بصناعة الفخار، حيث تتميز منتجاتها باللون الأحمر الجميل الذي يميز الفخار الخليل. ولا تقتصر هذه الصناعة على غزة والخليل، بل تنتشر بشكل متفرق في شمال الضفة الغربية، حيث تجد الحرفيين يمارسون هذا الفن بمهارة عالية في بعض المناطق.
تعتمد صناعة الفخار في فلسطين بشكل كامل على المواد الخام المحلية، مما يجعلها صناعة متجذرة في الطبيعة الفلسطينية. الأداة الرئيسية في هذه الحرفة هي الدولاب، الذي يُدار يدوياً وبأسلوب بدائي، مما يعكس الطابع التقليدي لهذه الصناعة. كما أن الأفران المستخدمة في شيّ الفخار تُصنع من الحجر الناري الذي يتحمل درجات الحرارة العالية، وتستخدم جذوع الأشجار وأغصانها بالإضافة إلى الزيوت المعدنية كوقود أساسي لتشغيل هذه الأفران.
صناعة الفخار في فلسطين ليست مجرد حرفة، بل هي جزء من الهوية الثقافية والتاريخية، التي قاومت الزمن وحافظت على مكانتها، مما يعزز من قيمتها كجزء من التراث الفلسطيني العريق.