تاريخ ومزارات

أسرار العطور: من الطبيعة إلى الفخامة الملكية عبر التاريخ الإسلامي

العطور دائماً ما كانت جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان، وهي مواد طبيعية تحمل روائح زكية، تستخرج من مصادر نباتية أو حيوانية. بالنسبة للنباتات، تختلف أجزاء النبتة المستخدمة لاستخراج العطر؛ فقد تأتي من الأوراق كما هو الحال مع النعناع، أو من اللحاء مثل القرفة، أو من الأخشاب مثل شجر الأرز والصندل. وقد تُستخرج من بتلات الأزهار كما هو الحال في الورد والبنفسج، أو من البذور مثل اليأسون والكراوية، أو حتى من الجذور كالسوسن، أو من قشر الفاكهة مثل البرتقال. وفي بعض الحالات، تُستخرج العطور كصمغ من الأشجار مثل شجر الكافور والمرّ.

أسرار العطور:

أما العطور المستخرجة من الحيوانات، فهي محدودة لكنها تتمتع بجاذبية خاصة وقيمة عالية. من أبرز هذه العطور نجد المسك، الذي يأتي من إفرازات غزال المسك، وكذلك من ثور المسك وفأر المسك وحتى من تمساح فلوريدا. ويأتي طيب الزباد من إفرازات غدد حيوانات الزباد الأفريقي والهندي، حيث يُجمع من الحيوانات الحية مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً. ومن ثم هناك العنبر الذي يُستخرج من حيتان العنبر، ويُعتقد أن الحوت يفرزه نتيجة لحالة مرضية. بالإضافة إلى ذلك، يُستخرج عطر القندس من الإفرازات الغددية لحيوان القندس، ويُجفف بطريقة خاصة.

على مر العصور، كانت العطور الحيوانية أكثر قيمة من نظيراتها النباتية، بسبب قدرتها على الاحتفاظ برائحتها لفترات أطول، ما جعلها المفضلة لدى الملوك والأمراء عبر الحضارات المختلفة.

في ظل الحضارة الإسلامية، ازدهرت صناعة العطور بشكل خاص، وكان لها شأن عظيم بين العلماء والمفكرين. ففي القرن الثالث الهجري، وضع الفيلسوف والعالم الكندي مؤلفه الشهير “كيمياء العطر”، حيث شرح فيه كيفية تصنيع المسك بطريقة دقيقة تعتمد على مواد طبيعية وتقنيات فنية متقدمة. وقد كان لهذه الصناعة دور بارز في الرفاهية والفخامة التي عاشها الخلفاء والأمراء في تلك العصور.

أما اليوم، فإن صناعة العطور قد تطورت وانتشرت بشكل واسع في العالم العربي، وأصبح بالإمكان توليد العطور بطرق كيميائية. هذه العطور تنقسم إلى نوعين؛ النوع الأول يحتوي على مكونات كيميائية مضافاً إليها بعض من روائح العطور الطبيعية، بينما النوع الثاني هو عطور كيميائية خالصة تُنتج لتقليد روائح العطور الطبيعية.

وقد ساهم هذا التطور في جعل العطور متاحة لكل فئات المجتمع بعد أن كانت حكراً على النخبة والملوك. لكن رغم هذا التطور الكبير في مجال العطور الكيميائية، ما زال العطر الطبيعي المستخلص من النباتات والحيوانات يحتفظ بمكانته الرفيعة، ويُعتبر رمزاً للفخامة والأصالة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى