أم المؤمنين أم حبيبة: المرأة التي اختارت الإيمان وصبرت على الابتلاء
أم المؤمنين أم حبيبة، وهي رملة بنت أبي سفيان، واحدة من أبرز نساء التاريخ الإسلامي، ذات النسب الرفيع والمكانة العالية، حيث كان والدها أبو سفيان صخر بن حرب بن أمية زعيماً لقريش، وأمها صفية بنت أبي العاص. كان لأم حبيبة دور عظيم في بناء العلاقات بين النبي صلى الله عليه وسلم وآل أبي سفيان، وقد ورد في القرآن الكريم إشارة إلى هذا الزواج، حيث قال الله تعالى: “عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة”، وكان هذا الزواج تكريماً لصبرها وإيمانها العميق بالله.
من هي أم المؤمنين أم حبيبة
قبل زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم، كانت أم حبيبة زوجة لعبيد الله بن جحش الذي رفض عبادة الأصنام واعتنق النصرانية في الجاهلية، ثم دخل في الإسلام مع زوجته فور ظهور الدعوة. لكن أمام قسوة قريش واضطهادهم للمؤمنين، هاجرا إلى الحبشة بحثاً عن الأمان، وهناك أنجبت أم حبيبة ابنتهما الوحيدة التي كُنيت بها. ومع ذلك، واجهت أم حبيبة اختباراً صعباً حين ارتد زوجها عن الإسلام وعاد إلى النصرانية، محاولاً إقناعها بالارتداد، إلا أنها رفضت التراجع عن إيمانها واستمرت متمسكة بدينها.
رأت أم حبيبة في المنام زوجها في حالة سيئة، وأخبرته بذلك، لكنه لم يأبه، وازداد إصراراً على الكفر حتى مات، تاركاً إياها وحيدة في الغربة. لكن الله عوضها عن هذا الابتلاء بزواج من خير البشر، النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
أثناء إقامتها في الحبشة، دخلت عليها أبرهة، خادمة النجاشي ملك الحبشة، وأبلغتها بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل رسالة إلى النجاشي ليخطبها. استبشرت أم حبيبة بهذا الخبر العظيم، وأكرمت أبرهة بالهدايا تقديراً لها. فاستدعت أم حبيبة ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص ليتولى أمور زواجها من النبي.
جمع النجاشي المسلمين في الحبشة وخطب قائلاً: “إن رسول الله قد كتب ليزوج أم حبيبة، وقد وافقت على الزواج وأصدقتها أربعمائة دينار”، ثم وزع الدنانير بين الحضور. وبعد عقد الزواج، دعا النجاشي إلى مأدبة على شرف هذا الزواج المبارك، حيث كانت هذه سنة الأنبياء.
بعد ذلك، قدمت أم حبيبة إلى المدينة المنورة، واستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم بحفاوة كبيرة، وروت له تفاصيل الخطبة والزواج. كما طلبت من النبي أن يقرأ السلام على أبرهة، التي أسلمت بعد أن تأثرت بحسن خلق أم حبيبة وقوة إيمانها، وقد أهدتها أبرهة العطور والأثواب كتعبير عن حبها واحترامها.
عند عودتها إلى المدينة، أقام الصحابي عثمان بن عفان وليمة احتفالاً بزواج النبي من أم حبيبة، وكان لهذا الزواج أهمية سياسية واجتماعية كبيرة، حيث عزز الروابط بين النبي صلى الله عليه وسلم وآل أبي سفيان.
وعندما علم أبو سفيان بزواج النبي من ابنته، قال معترفاً بمكانة النبي: “ذلك الفحل لا يُقرع أنفه”، أي أن النبي هو الرجل الذي لا يُرفض له طلب. وقد أظهرت أم حبيبة حبها الشديد للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى أنها كانت تقدم حبه وطاعته على كل شيء، حتى على عائلتها وأقاربها.
بهذا الزواج، جسدت أم حبيبة نموذجاً للصبر والإيمان والتضحية، وكانت مثالاً للمرأة المسلمة التي تمسكت بدينها رغم الصعوبات، وأكرمها الله بزواجها من رسول الله ليكون خاتمة حياتها بركة ورفعة في الدنيا والآخرة.