ماذا تعرف عن مملكة غرناطة الاندلسية ؟
ماذا تعرف عن مملكة غرناطة الاندلسية ؟
أسس بنو نصر أو بنو الأحمر مملكة غرناطة أو الدولة النصرية في الأندلس سنة 635هـ الموافقة لِسنة 1237م على يد والي جيان وأرجونة محمد بن يوسف بن محمد الخزرجي المعروف بابن الأحمر، الذي أصبح أوَّل أُمراء هذه الدولة.
تأسست مملكة غرناطة بعد انهيار الدولة الموحدية في المغرب والأندلُس، وأخذت المدن الاندلسية الكُبرى تسقط تباعاً في أيدي النصارى، وتعرَّض الإسلامُ والمُسلمون لِخطر الزوال، فتصدَّى مُحمَّد بن الأحمر لِلغزوات المسيحيَّة بِقيادة فرديناند الثالث ملك قشتالة، بعد أن آلت إليه -أي لابن الأحمر- مُعظم أملاك مُحمَّد بن يُوسُف بن هود الذي قُتل في ألمرية، ولمَّا هُزم ابن الأحمر على يد القُوَّات القشتاليَّة، شعر أنَّهُ لابُدَّ أن يلتمس الوسيلة لِتأمين استمراريَّة حُكمه في ظل قُوَّة قشتالة التي تُهدِّدُه، وبِخاصَّةٍ أنَّ غزوات القشتاليين وصلت إلى ضواحي غرناطة نفسها، فمال إلى الاستسلام وأبرم مُعاهدة سلامٍ مع الملك القشتالي كان من أبرز بُنُودها: تبعيَّة غرناطة لقشتالة عسكريّاً، وأن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة علانيَّةً؛ ويكون عضواً في مجلس «الكورتيز» (مجلس حكام المقاطعات) وبهذا كان ملك قشتالة قد أتمَّ تبعية غرناطة له تماماً.[2] وهكذا أخذت صُورة الوضع السياسي لِلدولة الإسلاميَّة الجديدة في الأندلُس تتوضَّح تحت حُكم مُحمَّدِ بن الأحمر، الذي اتخذ غرناطة عاصمةً لهُ بدلاً من جيَّان التي كانت واقعةً تحت تهديد النصارى المُستمر.
اجتمعت تحت ظلال هذه الدولة أشلاء الأندلُس المنهارة والتي انكمشت أطرافها فيما وراء نهر الوادي الكبير جنوباً، وشغلت شرقاً رُقعةً مُتواضعةً من جيَّان وبياسة وإستجَّة حتَّى البحر المُتوسِّط، ومن ألمرية وإلبيرة غرباً حتَّى مصب الوادي الكبير. وكانت هذه المملكة الصغيرة جديرةً بِأن ترث التركة الأندلُسيَّة، واستمرَّت بِفضل وعي حُكَّامها وسياساتهم المرنة زهاء مائتين وخمسين سنةً أُخرى كمُستودعٍ لِلحضارة الإسلاميَّة في الأندلُس، واضطلعت في الوقت نفسه بِذلك النضال القديم ضدَّ الممالك المسيحيَّة حتَّى لقيت مصرعها في النهاية.
فقد استمرت مملكة قشتالة تبتلع البلاد التابعة لِغرناطة حتَّى حاصرها الملكان الكاثوليكيان فرديناند الثاني الأرغوني وإيزابيلَّا الأولى القشتاليَّة في جُمادى الآخرة 896هـ المُوافق فيه نيسان (أبريل) 1491م، وبعد سبعة أشهُرٍ من الحصار دبَّ اليأس في نُفُوس المُسلمين وانتشر الجوع وتفشَّت الأمراض في صُفُوفهم، فأبرم آخر الأُمراء الغالب بالله مُحمَّد بن عليّ مُعاهدةً مع الملكين الكاثوليكيين قضت بِتسليم المدينة، فدخلها القشتاليُّون يوم الإثنين 2 ربيع الأوَّل 897هـ المُوافق فيه 2 كانون الثاني (يناير) 1492م، وبِذلك سقطت غرناطة وسقطت الأندلُس نهائيّاً، وأُسدل الستار على التاريخ السياسي للمُسلمين فيها. ولم تك مملكة غرناطة الأطولَ عُمراً بين دُول المُسلمين في الأندلُس فحسب، وإنما استطاعت أن تُحقِّق نجاحاتٍ وإنجازاتٍ حضاريَّةً باهرةً تُوازي نجاحات دُول الأندلُس التي سبقتها إن لم تتفوَّق عليها. وقد حقَّقت الاكتفاء الذاتي بشهادة الرحَّالة ابن بطوطة (04-1377م) الذي وصفها بالمملكة القويَّة رُغم المُناوشات المُستمرَّة مع الممالك المسيحيَّة المُجاورة، وبِالأخص قشتالة. ومن أبرز المعالم الحضاريَّة في هذه المملكة قلعة ومسجد وقصر الحمراء الذي يُعد أحد أروع المعالم المعماريَّة في العالم، بُني لِتلبية احتياجاتٍ مُتعدِّدةٍ، فهو على الصعيد العسكري قلعةً منيعة الأسوار استطاع أُمراء غرناطة بفضلها الحفاظ على مملكتهم من الأطماع العسكرية طيلة قرنين ونيفٍ، ومن جهةٍ أُخرى صُمم لِيكون دار الإمارة ومسجداً جامعاً كبيراً، كان في أوج ازدهار المملكة منبع العُلماء ومُلتقى الدارسين من بلاد الأندلُس والمغرب، وتخرج منه عُلماء كبارٌ من أبرزهم العلَّأمة الإمام الشاطبي، إبراهيم بن موسى (ت. 790هـ/1388م) الفقيه الأصولي المجتهد.