أسرار الطب العربي القديم: بين الكهانة والعلم
في عصور ما قبل الإسلام، امتزج الطب بالكهانة لدى العرب، كما كان الحال لدى العديد من الأمم القديمة. كان الأطباء يستخدمون الرقى والأشربة والكي لعلاج الأمراض، مثل الرمد باستخدام الكحل وعلاج السرطان بالنار. كانوا يبتعدون عن الجراحة والحمية، واهتموا بالطب البيطري للحفاظ على خيولهم. من أشهر أطبائهم: لقمان الحكيم، قصير حزيم، والحرث بن كلدة وابنه النصر، ومن الجراحين البارزين ابن رومية التميمي.
أسرار الطب العربي القديم
بعد الفتح الإسلامي، تفاعل العرب مع الحضارات العالمية وترجموا أعمال أبقراط وجالينوس، مما أثرى معرفتهم الطبية. اعتمدوا على التجربة والاستنتاج، ورفضوا النظريات غير المثبتة علمياً. طوروا الدستور البريطاني للطبيب الذي ينص على ضرورة الأمانة الطبية والذكاء وحسن السلوك.
تبنوا بعض الأفكار اليونانية ورفضوا الأخرى، حيث أكدوا على أن الأمراض يمكن أن تنشأ من العوامل الخارجية، وهي فكرة تتماشى مع الاكتشافات الحديثة للبكتيريا. رفضوا العلاج المستمر وراعوا خلفية كل مريض وظروفه البيئية والمناخية.
في مجال التشخيص، اعتمدوا على فحص النبض، مراقبة الحرارة والتنفس، ولون البراز. كانوا يسجلون الملاحظات بدقة، كما فعل أبو بكر الرازي في كتابه “الحاوي”. اهتموا بشكل خاص بأمراض العيون، وشرّحوا عيون الحيوانات لتعلم طرق العلاج. كتب علي بن عيسى رسالة شاملة عن أمراض العيون وطرق علاجها، وكان ابن اسحق ويوحنا بن ماسويه من أبرز المساهمين في هذا المجال.
ابن الخطيب تحدث عن انتقال الطاعون بالعدوى، وأشار إلى وجود سلبيات يجب معالجتها. ابن النفيس، الذي عاش في دمشق والقاهرة بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر، كان أول من اكتشف الدورة الدموية الكبرى وتنقية الدم في الرئتين. اكتشف الطبري الحشرة المسببة للجرب وشرح علاج الجذام.
بهذه الإسهامات، وضع العرب أساسات متينة للطب الحديث، جمعوا فيها بين العلم والتجربة، وأثروا الحضارة الإنسانية بإنجازاتهم الطبية.