ذو النون المصري: سيرة العارف الرباني
كان ثوبان بن إبراهيم، المعروف بأبي الفيض والملقب بذي النون، شخصية بارزة في عالم التصوف خلال القرن الثالث الهجري، وكان من بين الفقهاء المحدثين. نشأ في أخميم بمصر في العام 179 هجريًا، الموافق لعام 796 ميلاديًا.
من هو ذو النون المصري
يُذكر في “وفيات الأعيان” لابن خلكان أن ذي النون كان فريد عصره في العلم والتقوى والحال والأدب. وقد كان من الرواة للموطأ عن الإمام مالك، رضي الله عنه. وصفه ابن يونس في تاريخه بأنه كان حكيمًا وفصيحًا، وأبوه كان نوبيًا، ويُقال إنه من أهل إخميم، وكان مولى لقريش.
عند سؤاله عن توبته، أخبر بقصة معبرة: خرج من مصر إلى إحدى القرى، وأثناء نومه في الصحراء، شهد معجزة حيث سقطت قنبرة عمياء من وكرها، وانشقت الأرض لتخرج سكرجتين، إحداهما من ذهب والأخرى من فضة، وبدأت تأكل وتشرب، مما دفعه للتوبة والإقبال على الله.
وقد تم استدعاؤه إلى المتوكل، وعندما وعظه، تأثر المتوكل وبكى، وأعاده إلى مصر مكرمًا. كان المتوكل يتأثر كثيرًا عند ذكر العابدين ويقول: “حي هلا بذي النون”. وكان ذو النون رجلًا نحيفًا، ذو بشرة حمراء، ولم تكن لحيته بيضاء، وكان شيخه في الطريقة هو شقران العابد.
ومن حكمه البالغة: “إذا صحت المناجاة بالقلوب، استراحت الجوارح”.
ويروي إسحاق بن إبراهيم السرخسي في مكة قصة مؤثرة عن ذي النون وهو مقيد بالأغلال، يُساق إلى السجن والناس يبكون من حوله، وهو يردد بثبات: “هذا من مواهب الله تعالى ومن عطاياه”، وينشد بقلب راضٍ:
لك من قلبي المكان المصون
كل لوم علي فيك يهون
لك عزم بأن أكون قتيلاً
فيك والصبر عنك مالا يكون
وتروى قصة أحد تلاميذه الذي غادر مصر إلى بغداد، وخلال جلسة ذكر، انتابه الوجد فسقط ميتًا. وعندما بلغ الخبر ذي النون، قرر السفر إلى بغداد. وبمجرد وصوله، طلب المغني الذي كان حاضرًا في تلك الجلسة، وبعد سماع القصة، باركه ثم بدأ بالغناء. وفي لحظة البدء، صرخ على المغني فسقط ميتًا، فقال ذي النون: “قيل بقتيل، أخذنا ثأر صاحبنا”، ثم عاد إلى مصر دون تأخير.