د. محمد السعيد إدريس يكتب:موسكو وواشنطن في الحوار الصيني – الأوروبي
د. محمد السعيد إدريس يكتب:موسكو وواشنطن في الحوار الصيني – الأوروبي
منذ اللحظات الأولى للزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ لفرنسا (السبت – الاثنين) الماضيين، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يجعل من هذه الزيارة فرصة لوضع أسس لعلاقات استراتيجية أوروبية مميزة مع الصين بما يعنيه ذلك من تخليص هذه العلاقات من أعباء «التبعية الأوروبية» للولايات المتحدة من ناحية ولتأثيرات خصوصية العلاقات الصينية مع روسيا على هذه العلاقات، بما يعني ذلك تحرير العلاقات الأوروبية – الصينية من أعباء والتزامات العلاقات مع كل من واشنطن وموسكو.
لذلك كانت إشادة الرئيس الصيني شي جين بينغ في جلسات المحادثات الثلاثية بينه وبين كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و«أورسولا دير لاين» رئيسة المفوضية الأوروبية بالعلاقات بين بلاده وأوروبا «التي تنظر إليها الصين نظرة استراتيجية بعيدة المدى، وكوجهة لاستراتيجيتها». وقال «يجب على الصين والاتحاد الأوروبي، وهما قوتان رئيسيتان في العالم التمسك بشراكتهما ومواصلة الحوار والتعاون، وتعميق التواصل الاستراتيجي، وتعزيز الثقة الاستراتيجية المتبادلة، وبناء التقارب الاستراتيجي، وتطوير التنسيق الاستراتيجي، وذلك بهدف تحقيق التنمية المستقرة والصحية للعلاقات الصينية – الأوروبية، وتقديم المزيد من المساهمة في السلام والتنمية بالعالم».
هذا الحرص المتبادل الأوروبي والصيني على تطوير علاقات استراتيجية أوروبية – صينية لها خصوصيتها من ناحية، وأكثر تحرراً من أعباء علاقات أوروبا مع الولايات المتحدة وعلاقات الصين مع روسيا، يعيد طرح السؤال المهم وهو: هل سيكون في مقدور أوروبا، الانعتاق فعلاً من الهيمنة الأمريكية على نحو ما يطمح الرئيس الفرنسي؟ وهل هناك إجماع أوروبي على هذا التوجّه؟ خاصة ألمانيا، ودول شرق أوروبا الأكثر اندفاعاً نحو مزيد من الانخراط مع واشنطن في سياسات الدفاع والأمن ضمن حلف شمال الأطلسي (الناتو). وهل في مقدور الصين ممارسة ضغوط حقيقية على روسيا في الأزمة الأوكرانية حتى لوكان لهذه الضغوط مردودها السلبي على التنسيق الصيني- الروسي الاستراتيجي للتأسيس لنظام عالمي جديد متحرر من النظام الأحادي الأمريكي؟
من الصعب حسم الإجابة على هذا السؤال ب «نعم» أو «لا». ولكن زيارة الرئيس شي جين بينغ، وهي الثالثة له للعاصمة الفرنسية باريس خطوة مهمة إن لم يكن في اتجاه ممارسة الصين ضغوطاً على روسيا فسيكون في اتجاه المزيد من «التحرر الاضطراري» الأوروبي عن واشنطن في وقت تتجه فيه السياسة الأمريكية هي الأخرى نحو «انعزالية اضطرارية» سواء مع احتمال مجيء دونالد ترامب مجدداً للسلطة أو بقاء الرئيس جو بايدن في وقت يؤكد فيه كبار الاستراتيجيين الأمريكيين أن القوة الأمريكية «إلى أفول»