تاريخ ومزاراتحوارات و تقارير

معلومات لا تعرفها عن تاريخ الرقص الشرقي في مصر.. بين “الغوازي” و”الهشك ِبشك”

أميرة جادو 

تختلف الثقافات والرقصات، وبداية قصتها، من مجتمع إلى آخر، كما يضفي البعض مصطلحات تشير إلى الرقص الشرقي، والتي اعتدنا عليها دون معرفة سبب تسميتها مثل “العوالم، والهشك بشك”، والتي ربما تكمن المفاجأة في معانها باللغة العربية الفصحى.

وتشابكت المعاني في عالم الرقص الشرقي، الذي لم يكن بعيداً عن عالم الفتوات، فالراقصة صارت عالمة، بل أن الرقص الشرقي ذاته صار شيئاً آخر غير ذات الفن الذي عرفه المصريون في بدايات القرن الـ19، صار رقصاً آخر، بل فناً آخر، علاوة على وجود دلالات مدهشة لبعض الكلمات الخاصة بالمهنة، أولها مثلاً أن هناك فارق بين “الغوازي”و”العوالم”.

ووفقاً لما جاء في كتاب “الإمبرايالية والهشك بشّك”، للباحثة “شذى يحيي”، فأن الرقص الشرقي الذي نراه منذ بدايات القرن العشرين وحتى اليوم بالتأكيد، ليس بالرقص الشرقي، بل هو فنٌ استعراضي آخر يعكس الصورة التي تصورها المستشرقون (في كتاباتهم ولوحاتهم التشكيلية) عن الرقص الشرقي.

الحملة الفرنسية والثقافة المصرية

على عكس الضيق والألم الذي يتحدث به الكثيرين عن الحملة الفرنسية على مصر (1798 – 1801) باعتبارها استعمارًا، يقابله امتنان بشأن مآثر الحملة وفوائدها على الثقافة المصرية الحديثة لدى فريق آخر، وسيظل هذا الخلاف حاد بين هذا الفريق والآخر إلى ما لا نهاية، وسينجو فقط الباحثون والدارسون الذين يحتفظون بألمهم في صدورهم جراء فكرة الاستعمار في حد ذاته، إلا أنهم يفتحون عقولهم لما أحدثه هذا الاستعمار من تغيير في الثقافة، والتغيير هنا لا خلاف في تعريفه بـ”تحول الشيء إلى شيء آخر”، من دون التطرق إلى أن هذا التحول كان تطورًا أم انحدارًا. وهذا بالضبط ما أشارت إليه الباحثة “شذى يحيى”، فهي لم تشغل بالها بالخلاف المتجذر إياه، ولكنها حاولت التعرف على تأثير الاستعمار في التغيير الذي ضرب فنًا مرتبطًا بالشرق في الأساس، وعن الكيفية التي حدث خلالها التغيير.

 الرقص الشرقي .. والغوازي والعوالم

أنا عن تاريخ مصطلح الرقص الشرقي أو “الهشك بشك”، فيرجع إلى حملة نابليون، حيث شكل الرقص هوسًا وولعًا للرحَّالة والكتَّاب الذين رافقوا الحملة، وغيرهم ممن يهوون الشرق، وقد عرفه بعضهم بكثير من التعريفات نستطيع أن نجملها في أنه نوع من الأداء الراقص منتشر في مصر وشمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، قائم على حركات تعبيرية بالخاصرة والأذرع والسيقان، وله زي خاص مميز به، وهو عادة يمارس في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات، ويرجعه بعض باحثي الأنثروبولوجيا إلى الرقصات الطقسية، التي كانت تقام في معابد الآلهات الإناث قديمًا، ولاسيما “حتحور وعشتار إنانا”.

والجدير بالإشارة أن “الرقص الشرقي” عبارة عن منظومة من الرقصات يعود منشأها في الأساس لشمال أفريقيا والشرق الأوسط، ولها جذور في وسط آسيا، وتم تهجينها وتطويرها في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم، وأصبحت جزءًا من الأداءات الراقصة العامة والخاصة في القرى والمدن والحواضر والمجتمعات المدينية والملاهي والمسارح على مستوى العالم

سر “الهشك بشك”

منذ عقود، قام المصريون بإطلاق مصطلح “الهشك بشك” على ما تقوم به الراقصات من رقص مرتبط بالسلوك الإغوائي السيء القائم على الابتذال والسوقية.

معنى الهشك بشك

ويقولون في الأدبيات الشعبية “بتوع الهشك بشك” وهن الراقصات المبتذلات أنفسهن، ولكن الغريب أن هذا التركيب المصري الشعبي الخالص له أصل لغوي فصيح، فـ “الناقة البشكى” في “مختار الصحاح” هي الناقة الخفيفة المشي والروح، وفي “لسان العرب” لابن منظور، فإن “البشك” هو السير بسرعة وبخفة، ويرتبط اللفظ أيضًا في تلك المعاجم بالكذب والرداءة.

أما النصف الأول من التركيب “هشك” فهو عامي صرف قد يعود إلى لغة مصرية قديمة، ويعني الفعل “هز” من “الاهتزاز” والحركة.

وبجمع الدلالات – العامية والفصيحة -، فإن الرقص هو “الهز السريع الخفيف سيء السمعة”، وهي النظرة التي وُصمت بها الراقصة في مجتمعها الشرقي، وهي لم تختلف كثيرًا عن نفس النظرة التي وصمها بها المستعمر الأبيض، ووصفها في أدبياته بـ”راقصة هز البطن” أو بالفرنسية “DANSE DU VENTRE”.

الاستشراق.. وألف ليلة وليلة 

تم تشكيل صورة مغلوطة للراقصة الشرقية في ثقافة الاستشراق الغربية بمرور الوقت، حيث تم ربطها بالمرأة التي وصفت في حكايات “ألف ليلة وليلة”، وهي المرأة التي تعيش في حرملك القصر وترقص نصف عارية أمام سيدها بهدف إثارة رغبته واستدراجه. وقد تم بناء هذه الصورة تدريجياً مع تطور العلاقات بين الغرب والشرق.

الرقص الشرقي وتحية كاريوكا

تأثر سلامة موسى (1887-1958) بالنظرة الغربية المستشرقة للرقص الشرقي، وكان أحد المنتقدين لهذا الفن في مصر. وقد طرح سؤالًا شائعًا يتكرر حتى اليوم، وهو: “هل تسمحين لابنتك أو أختك بأداء حركات الرقص المصري؟”. قد تأثر موسى بكتابات الغرب ورآى الرقص الشرقي كرقص شهواني يثير الغرائز. وقد استدل على ذلك بأن الراقصة الشرقية، وهي تنتمي إلى الشرق، تنظر إلى الأسفل أو تركز على المناطق الجنسية السفلية.

واستثنى موسى الراقصة “تحية كاريوكا” من بين جميع الراقصات المصريات، حيث لم تنظر تحية إلى الأسفل ولم تتجه لإثارة الشهوة. وهذا وفقًا لرؤية الباحثة جليلة لوريس شماس، التي رأت أن النظرة الاستشراقية للرقص الشرقي تم ترويجها من قِبَل الإمبريالية الغربية لتصوير الشرق.

وكانت الراقصة سامية جمال واحدة من الأشخاص الذين حاربوا لتصحيح هذه الصورة. واستغربت من اتهامات سلامة موسى وانحيازه للرقص في الغرب، حيث لم تكن تهدف إلى إثارة الغرائز أثناء أداء رقصاتها. وقد رقصت في جميع أنحاء أوروبا دون أن يتم استهدافها بالاتهامات المشابهة من الغرب. وأعتبرت الرقص الشرقي تعبيرًا صادقًا عن المشاعر والعواطف.

الرقص مثل مصارعة الثيران

وبعيدًا عن جدال سامية جمال وسلامة موسى، فإن استثناء تحية كاريوكا من كل هذا الخلاف أمر لافت للغاية، فتحية نالت وصفًا آخر من إدوارد سعيد حيث كونها «تصنع قواعد وأصول لممارسة مهنتها كعالِمة (على أساس العلم وليس دلالة الغازية راقصة الشوارع). رشاقتها وأناقتها توحيان بما هو كلاسيكي ومهيب يستند إلى خبرة واسعة في مجال الرقص. إن الرقص شأنه شأن مصارعة الثيران، يتركز جماله ليس في كثر حركات الرقص بل في قلتها»، وكانت تحية تجيد ذلك تمامًا، وذلك بغض النظر عن وصف سعيد لها في أشياء أخرى.

الفرق بين العوالم والغوازي

تحتوي بعض المصطلحات المهنية على دلالات مثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، هناك اختلاف بين “الغوازي” و”العوالم”. وفقًا لتعريف إدوارد لين في كتابه “عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم”، تشير “الغوازي” إلى النساء اللواتي ينتمين إلى قبيلة تحمل نفس الاسم. ويُطلق على الرجل في هذه القبيلة اسم “غازي”، وعلى المرأة اسم “غازية”، وهم لا يتزوجون، ولديهم قاموس لغوي خاص بهم، ويعيشون ويتحركون جماعيًا مع أفراد أسرهم. ووفقًا لكلوت بك في كتابه “لمحة عامة إلى مصر”، قد يكون تاريخهم يعود إلى فترة قبل “البرامكة”.

أما المصطلح الثاني “العوالم”، فيشير إلى المرأة التي يفترض أن تكون متخصصة في فنون الرقص والموسيقى والغناء وصياغة الشعر وأدائه. ولا يرتبط هذا المصطلح بمجموعة عرقية محددة، وتعيش هذه النساء في الشوارع بشكل عادي. الفرق بين الاثنين هو أن “العوالم” كانت في منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهايته ترقص فقط أمام النساء، بينما “الغوازي” ترقص أمام الجميع.

تاريخ الراقصات الأجانب في مصر

ويجدر الإشارة إلى أن فكرة استقطاب مصر للراقصات الأجانب لا ترجع لزمن صوفينار وجوهرة، ولا أيضًا لزمن كيتي اليونانية وهدى شمس الدين الأرمينية، بل تعود إلى عصر محمد علي باشا، بسبب اتخاذ الدولة حينها موقفًا ضد الرقص، إذ أصدر الوالي محمد علي في 1834 فرمانًا بمنع الدعارة ورقص الفتيات العامة، وعقوبة من تخالف ذلك خمسين جلدة وحبس لمدة عام، المدهش أن الراقصات هجرن إلى صعيد مصر.

 بدلة الرقص من صنع الغرب

تاريخ رقص السيدات في الماضي قد يكون غير معروف بشكل واسع في الوقت الحاضر، ولكنه يشبه إلى حد ما رقص الريفيات في الأفراح الحالية. كانت تشتمل على عدد قليل من الخطوات وحركات اليدين والكتفين والخصر، بطريقة تختلف عن رقص الراقصات الحالي. وكانت الراقصات في الماضي يرتدين ملابس تمامًا في الأماكن المغلقة والحانات وغيرها، بينما كانت ترتدي ملابس شبه كاملة في الشوارع. ومع ذلك، فقد جاء تأثير الغرب في تطوير بدلة الرقص الحالية، وتحديدًا المصمم اليهودي ليون باكست من روسيا البيضاء. فقد ساهم باكست بشكل كبير في تطوير تصميمات وألوان بدلات الراقصات، واستخدم هذه التصاميم في عرض باليه شهرزاد عام 1910. وقد استوحى من الثقافة العربية والقوقازية وتركيا ووسط آسيا في تصميماته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى