من المطبخ إلى المتحف: الوسابي يحافظ على النصوص القديمة| تفاصيل

في دراسة رائدة، توصل فريق من العلماء المصريين والدوليين إلى طريقة مبتكرة لحماية الوثائق البردية القديمة من الضرر الناجم عن الفطريات. الحل الذي اكتشفوه يعتمد على استخدام مستخلص من نبات الوسابي، المعروف بخصائصه المطهرة القوية والذي يُستخدم عادةً كتوابل حارة في الأطعمة الآسيوية مثل السوشي.
تم نشر هذا البحث مؤخرًا في مجلة “العلوم الأثرية”، وشارك فيه باحثون من مصر وخارجها، بما في ذلك هنادي سعدة، مؤمن عثمان، نور عطية، مها صلاح، حنان مهلهل، منى خليل، وياسونوري ماتسودا.
التاريخ العريق لورق البردي:
ورق البردي، الذي كان يُستخدم في مصر القديمة، اليونان، والإمبراطورية الرومانية، يُعد من أقدم المواد المستخدمة للكتابة. يُصنع من سيقان نبات البردي المسحوقة ويُكتب عليه بأصباغ متنوعة. هذه الأصباغ، مع ذلك، قد تسهم في تدهور البردي بفعل الكائنات الفطرية.
الاستخدامات التاريخية لورق البردي:
استُخدمت أوراق البردي في تدوين النصوص الحكمية والعهود القديمة، بما في ذلك كتاب الموتى المصري ومخطوطات طبية وجراحية. كما شهدت العصور اللاحقة استمرار استخدام البردي في كتابة أعمال مثل مسرحيات ميناندر اليوناني وأجزاء من الكتاب المقدس.
مشكلة تآكل ورق البردي:
وفقًا لهنادي سعدة، باحثة بالمتحف المصري الكبير، فإن تلف أوراق البردي يُعد مشكلة عالمية. الطرق الكيميائية التقليدية للحفاظ على البردي تحمل مخاطرها الخاصة، بما في ذلك الأضرار البيئية والتأثيرات السامة.
الحل الطبيعي لمكافحة الفطريات:
في الدراسة، قام الباحثون بتطبيق معجون الوسابي على عينات من ورق البردي ووضعوها بجانب رقائق ألمونيوم. لتجنب المخاطر على القطع الأثرية، استُخدمت نسخ مُحاكية للبردي القديم، وتم تعريضها للحرارة والفطريات. بعد ثلاثة أيام، أثبت الوسابي فعاليته في القضاء على الفطريات دون التأثير على الأصباغ.
النتائج والتطبيقات المستقبلية:
أظهرت الدراسة أن الوسابي يمكن أن يكون مبيدًا حيويًا فعالًا وآمنًا لحماية البردي الملون من التحلل البيولوجي، مما يفتح الباب أمام استخدامات جديدة لهذا النبات في مجال الحفاظ على التراث الثقافي.
تُعد تقنية التعقيم الجديدة المستخدمة في “الوسابي” طريقة مبتكرة ومستدامة لحماية الوثائق البردية، كما تشير جيسيكا بايلر من متحف بن في بنسلفانيا. تواجه أوراق البردي تحديات عديدة، والطرق الحالية لحفظها، التي تشمل الحفظ في مجلدات محمية، قد تساهم في نمو الفطريات. وفقًا لبايلر، الطرق التقليدية لا تضمن الحماية الكاملة من الفطريات، مما يدفع الباحثين للبحث عن حلول بديلة.
يخطط فريق المتحف المصري الكبير لتطبيق تقنية الوسابي في الحفاظ على البرديات الأثرية وتوسيع نطاق استخدامها لتشمل تعقيم القطع الأثرية المصنوعة من الخشب والورق والمنسوجات.
تشارلي تريبالو من وكالة الصحافة الفرنسية يؤكد أن الوسابي، المعروف بتناوله مع السوشي، يمكن أن يكون مادة حافظة فعالة.
الفطريات وتأثيرها على التراث:
ورق البردي، الذي استُخدم في صناعة الأشرعة والقوارب والسلال، وكذلك في تدوين النصوص القديمة، يتأثر بالزمن نظرًا لطبيعته العضوية. هذا ما دفع الباحثين للبحث عن مادة طبيعية قوية تحافظ على الورق وتعقمه في آن واحد، وهو ما وُجد في الوسابي، الذي ينمو في اليابان وكوريا.
الوسابي: الفجل الياباني
الفجل الياباني، أو Wasabia japonica، ينتمي لعائلة الكرنبيات ويشمل الفجل الحار والخردل. ينمو بشكل طبيعي على ضفاف الأنهار في اليابان ويُزرع لجذوره التي تُطحن لتصبح عجينة حادة تُستخدم في السوشي وغيرها من الأطعمة. يتميز بنكهة تحفز الأنف أكثر من اللسان، ويُعرف بنكهته المميزة والمعقدة. الوسابي، الذي يُستخدم كطعام منذ القرن الثامن الميلادي، شهد زيادة في الطلب مع انتشار السوشي منذ الثمانينات.