حوارات و تقارير

الذكرى 71 لتأسيس جهاز المخابرات العامة المصرية: تاريخ حافل بالإنجازات

أسماء صبحي – تحل الذكرى الحادية والسبعون على تأسيس جهاز المخابرات العامة المصرية، الذي يعد أحد أقدم أجهزة الاستخبارات في العالم. فقد أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارًا رسميًا بإنشائه في 22 مارس 1954، ليكون درعًا قويًا لحماية الأمن القومي المصري. ووفقًا للقانون 100 لسنة 1971، يصنف الجهاز كهيئة مستقلة تتبع رئيس الجمهورية مباشرة. كما يضم في هيكله التنظيمي رئيسًا بدرجة وزير، ونائبًا بدرجة نائب وزير، إلى جانب عدد من الوكلاء الأول والوكلاء والكوادر المتخصصة.

بداية تأسيس جهاز المخابرات العامة 

أسند جمال عبد الناصر إلى زكريا محيي الدين مسؤولية إنشاء الجهاز، ليكون كيانًا استخباراتيًا قويًا قادرًا على التصدي للمخاطر الأمنية التي تهدد البلاد. ورغم الجهود التي بذلها زكريا محيي الدين ومن بعده علي صبري، فإن الانطلاقة الحقيقية للجهاز جاءت مع تولي صلاح نصر رئاسته عام 1957. فقد قام بوضع أسس قوية لبناء جهاز استخباراتي حديث، فأنشأ مقرًا مستقلاً للجهاز، وأسس وحدات متخصصة مثل وحدات الراديو، الحاسوب، التزوير، والخداع.

ولتمويل العمليات الاستخباراتية بعيدًا عن ميزانية الدولة، أطلق صلاح نصر “شركة النصر للاستيراد والتصدير”، التي عملت كواجهة لأنشطة الجهاز. قبل أن تتطور لاحقًا وتصبح كيانًا اقتصاديًا مستقلاً عن المخابرات.

سرية منصب رئيس الجهاز

لعقود طويلة، كانت شخصية رئيس المخابرات العامة المصرية تُعتبر سرية تمامًا، ولا تعرف إلا من قِبل كبار المسؤولين في الدولة. لكن هذا التقليد تغير مع اللواء عمر سليمان، الذي برز اسمه في الإعلام خصوصًا بعد مرافقته للرئيس الأسبق حسني مبارك في زياراته الرسمية إلى الولايات المتحدة وفلسطين. ومنذ ذلك الحين، أصبح إعلان اسم رئيس المخابرات تقليدًا مستمرًا في وسائل الإعلام.

يتم تعيين رئيس الجهاز أو إعفاؤه بقرار مباشر من رئيس الجمهورية. كما يتم تعيين نائب رئيس الجهاز والوكلاء بناءً على ترشيحات من رئيس الجهاز نفسه وعرضها على رئيس الجمهورية للموافقة عليها.

المهام الاستراتيجية للجهاز

يؤدي الجهاز دورًا بالغ الأهمية في حماية الأمن القومي المصري. حيث يعتمد على جمع وتحليل المعلومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإعداد تقارير تحليلية تعرف باسم “تقدير موقف” ترفع إلى رئيس الجمهورية بشكل شبه يومي. ومن أبرز مسؤولياته:

  • إحباط المخططات التي تستهدف استقرار البلاد.
  • مكافحة التجسس وكشف العملاء الأجانب.
  • رصد التحركات الخارجية التي قد تهدد الأمن القومي.
  • التصدي لمحاولات الاختراق الأمني من الداخل والخارج.

البطولات الخالدة لـ جهاز المخابرات العامة 

استلهمت العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية من بطولات الجهاز. حيث جسدت بعض الشخصيات والاستخبارات المصرية المميزة، ومن أشهر هذه الأعمال:

  • “الثعلب” – مستوحى من شخصية رفعت جبريل، بطولة نور الشريف.
  • “الحفار” – عن عملية الحفار في أبيدجان، بطولة حسين فهمي ومصطفى فهمي.
  • “دموع في عين وقحة” – يحكي قصة أحمد الهوان (جمعة الشوان)، بطولة عادل إمام.
  • “رأفت الهجان” – يجسد حياة رفعت الجمال، بطولة محمود عبد العزيز.
  • “العميل 1001” – عن العميل المصري عمرو طلبة، بطولة مصطفى شعبان.
  • “السقوط في بئر سبع” – عن الجاسوسين إبراهيم شاهين وانشراح موسى، بطولة سعيد صالح وإسعاد يونس.
  • “الصعود إلى الهاوية” – يكشف قصة هبة سليم، بطولة مديحة كامل.

أبرز رؤساء جهاز المخابرات العامة

شهد الجهاز قيادة العديد من الشخصيات البارزة، من بينهم:

  • صلاح نصر
  • عمر سليمان
  • مراد موافي
  • عباس كامل
  • اللواء حسن محمود رشاد (الرئيس الحالي)

ولا يقتصر تاريخ المخابرات المصرية على العصر الحديث، بل يمتد إلى أكثر من 5200 عام. إذ استخدمت مصر القديمة نظم استخباراتية متقدمة لحماية أراضيها من الغزاة. وقد لعب رجال المخابرات في عهد تحتمس الثالث دورًا بارزًا في تحقيق الانتصارات العسكرية. حيث رسموا خرائط دقيقة لأماكن العدو، مما مكّن الجيش المصري من تحقيق تفوق استراتيجي ساحق.

إنجازات رغم التحديات

منذ أحداث 2011، واجهت مصر تحديات أمنية كبرى. إلا أن المخابرات العامة المصرية استطاعت إحباط العديد من المؤامرات والمخططات الخارجية.

ومن أشهر القضايا التي كشفها الجهاز الإيقاع بالجاسوس الإسرائيلي إيلان تشايم جرابيل. الذي دخل مصر عقب ثورة يناير 2011، وحاول إثارة الفوضى والتحريض على الفتنة الطائفية. إلى أن تم القبض عليه في يونيو 2011 داخل أحد فنادق القاهرة وبحوزته وثائق حساسة كان يرسلها إلى الموساد.

الأدوار الخفية

رغم الطبيعة السرية لعمل الجهاز، إلا أن تأثيره يظهر جليًا في العديد من القضايا الإقليمية. ومن أبرز الملفات التي كان للجهاز دور محوري فيها:

  • إدارة ملف الأزمة الليبية ودعم استقرار الدولة.
  • التعامل مع أحداث غزة وإحباط محاولات تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
  • المساهمة في مكافحة الإرهاب في سيناء بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية والأجهزة الأمنية.

كما كان لجهاز المخابرات العامة دور حاسم في إتمام صفقة تبادل الأسرى عام 2011. حيث نجح في التوسط بين إسرائيل وحركة حماس لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل 1027 أسيرًا فلسطينيًا. كما استغرقت المفاوضات خمس سنوات، ولم تحقق أي دولة أخرى نجاحًا فيها. إلا أن المخابرات المصرية نجحت في إتمامها، مما يعكس حجم الثقل السياسي والاستخباراتي لمصر في المنطقة.

يظل جهاز المخابرات العامة المصرية خط الدفاع الأول عن الأمن القومي. حيث يعمل في صمت واحترافية، مسطرًا بطولات وإنجازات في الخفاء. ولا يظهر منها إلا ما يكشف قوة مصر وقدرتها على التصدي للتحديات الداخلية والخارجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى