خبير أثار يروي قصة الاحتفال بيوم عاشوراء في مصر على مر العصور
أسماء صبحي
يحتفل المصريون في اليوم العاشر من شهر محرم بيوم عاشوراء، والذي يتضمن صنع حلوى القمح “البليلة”. ويشير الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو المجلس الأعلى للثقافة ولجنة التاريخ والآثار، إلى أن مظاهر احتفالية عاشوراء تعد جزءًا من التراث المصري اللامادي الذي يستحق التسجيل كتراث عالمي لامادي لدى اليونسكو.
يوم عاشوراء
وفي هذا السياق، يوضح الدكتور ريحان أن منذ عصر بناة الأهرامات، كان المصري القديم يحتفل في أحد أعياد منف بعيد طرح بذور القمح المقدس في اليوم العاشر من شهر نوبي (طوبة). وكان يتناول أطعمة خاصة مصنوعة جميعها من القمح المعد للبذر، بما في ذلك البليلة التي لا تزال إحدى الأطعمة الشعبية المتوارثة. وكذلك كعك عاشوراء المصنوع من القمح وعسل النحل.
ويشير الدكتور ريحان إلى أن بني إسرائيل، أبناء نبي الله يعقوب، قدموا إلى مصر منذ دخول يوسف الصديق وأسرته. وعاشوا آمنين في منطقة أون (عين شمس والمطرية) وأرض جوشن أو جاسان بوادي الطميلات. وفي مصر، ولد وتربى نبي الله موسى، وخرج منها مرتين: الأولى بعد أن قتل أحد المصريين خطأ أثناء شجار مع أحد العبرانيين. وعاش في مدين سيناء عشر سنوات، ثم عاد إلى مصر. والمرة الثانية كان عندما خرج مع شعبه من مصر وتم نجاتهم من الغرق. وسار موسى مع بني إسرائيل في جنوب سيناء في رحلة منتظمة إلى عيون موسى وموقع معبد سرابيط الخادم وموقع طور سيناء الحالي.
وعندما عاد موسى عليه السلام من جبل سيناء بعد تلقيه ألواح الشريعة، وجد قومه بني إسرائيل قد عبدوا العجل الذهبي الذي صنعه السامري. وهذا العجل الذهبي كان مصنوعًا من ذهب المصريين الذي أخذه بنو إسرائيل معهم عند الخروج من مصر. غصب موسى عندما رأى هذا، ووبَّخ قومه وأمرهم بالصيام كتكفير عن ذنب عبادتهم للعجل. وهذا الصيام هو ما يعرف اليوم باسم عيد الكيبور عند اليهود.
عاشوراء في الإسلام
بعد ظهور الإسلام، أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين بالصيام في نفس اليوم الذي يصوم فيه اليهود (عاشوراء). وقد صادف يوم عاشوراء المصري القديم العاشر من شهر تشري، الذي هو أول شهر في السنة العبرية. والذي يوافق العاشر من المحرم عند المسلمين.
وعندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن سبب صيام المسلمين مع اليهود واحتفالهم معهم، أجاب: “نحن أحق بموسى منهم”.
في العصر الفاطمي
واصل المصريون احتفالهم بعاشوراء عبر العصور حتى العصر الإسلامي. فقد احتفل الفاطميون في مصر بهذا العيد. وكان يعتبر عيدًا رسميًا في مصر، على الرغم من كونه عيدًا للحزن والبكاء. ةفي هذا اليوم، كانت الأسواق تغلق والناس يخرجون إلى الجامع الأزهر مع المنشدين للبكاء والنوح. وعندما تم نقل رأس الإمام الحسين إلى القاهرة وبناء المشهد الحسيني له، خرج الناس لزيارته.
وفي يوم عاشوراء، كان المسلمون يقومون بقراءة القرآن الكريم في كل بيت بصوت مرتفع من قبل أشهر القراء، ثم ينشد المنشدون القصائد. أما النساء، فكنَّ يشاهدن الاحتفالات من فوق الأسطح أو يحتفلن به داخل المنازل باستضافة واعظات لسماع الوعظ.
وفي سياق الاحتفالات الشعبية بيوم عاشوراء، يتم إطلاق البخور للتخلص من الحسد والطاعة. ويقوم بعض الباعة في الشوارع بترويج ما يعرف باسم “الميعة” أو البخور المبارك، وهم ينادون عليها بحماس: “يا بخور عاشوراء المبارك! يا بركة عاشوراء المباركة! أبرك السنين على المؤمنين! يا ميعة مباركة!”.
ويحمل هؤلاء البائعون على رؤوسهم صينيات مستديرة مغطاة بأوراق متعددة الألوان، وعليها خليط من أنواع البخور. وفي وسط الصينية يوجد كومة من مادة حمراء اللون ممزوجة مع قليل من الميعة والكزبرة والحبة السوداء. ومحيطة بها خمس كومات صغيرة – ثلاث منها من الملح الملون باللون الأزرق والأحمر والأصفر، والرابعة من الشيح، والخامسة من تراب اللبان. هذه المكونات مجتمعة تشكل ما يُعرف بالـ”ميعة المباركة”.
عندما يشتري أحد الأشخاص هذه الميعة، يضع البائع الصينية على الأرض، ويأخذ المشتري طبقًا أو قطعة من الورق ويضع فيها قليلاً من كل صنف من المكونات. وأثناء ذلك، يرتل المشتري نشيدًا طويلاً بالرقية، والذي ينص على: “باسم الله وبالله لا غالب إلا الله رب المشارق والمغارب كلنا عبيده يلزمنا توحيده”.
بعد ذلك، يثني البائع على فوائد الملح، ويبدأ في رقية أصحاب المنزل بعبارات مسجوعة. مثل: “بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن كل عين حاسد بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل نفس أو عين أرقيك من عين البنت والولد والرجل”. كما يروي كيف أن النبي سليمان عليه السلام قد أبطل حسد العين. وكيف يرقي كل قطعة أثاث في المنزل بالبخور: “بخرت السلالم من عين أم سالم بخرت الكرسى من عين أم مرسى بخرت اللحاف من وجع الأكتاف”.
الاحتفالات في العصور الأيوبي
تغير احتفال عاشوراء في مصر على مر العصور. ففي العصر الأيوبي السني، ملوك بني أيوب اعتبروا هذا اليوم يوم فرح وسرور. وكانوا يوسعون على أبنائهم ويكثرون من تناول الأطعمة الفاخرة والحلويات ويتكحلون. واستمر هذا الاحتفال والممارسات المرتبطة به خلال عصر المماليك وما بعده.
وخلال العصور المختلفة، صاحب هذا الاحتفال العديد من الخرافات والمعتقدات الشعبية. بعضها انمحى الآن نتيجة انتشار التعليم والثقافة، بينما البعض الآخر لا يزال متداولاً في القرى والمناطق الشعبية. ومن هذه المعتقدات ظهور الجن في هذا اليوم الذين يطرقون الأبواب ليفرغوا ما لديهم من الذهب.
وفي عصر المماليك، كان الاحتفال يمتد من اليوم الأول إلى العاشر من شهر المحرم. واعتبر الفقهاء في هذا العصر أن هذه هي من المواسم الشرعية الرئيسية. وخلال هذه الأيام، كانت تكثر الزينات والولائم والمواكب والأناشيد. وكان السلطان يحضر إلى القلعة مع الشيوخ والقضاة وأهل العلم والأمراء. كما كان القراء يتلون القرآن والمنشدون ينشدون الأناشيد، وبعد ذلك يُكرَّم كل منهم بصرف دراهم فضية من قبل السلطان. وعند صلاة المغرب، كانت توزع الأطعمة والوجبات على الفقراء. ثم يستمر الاحتفال خلال الليل بسماع الموسيقى والغناء.
وحتى يومنا هذا، لا تزال بعض هذه العادات والتقاليد مستمرة في مصر. ففي يوم عاشوراء، يتم إعداد طبق خاص يسمى “طبق عاشوراء”، وهو مصنوع من الحبوب أو القمح ويطبخ على شكل البليلة، ثم يضاف إليه اللبن والسكر والمكسرات كالجوز واللوز والبندق. كما يقوم الأهالي بتبخير المنازل ببخور لطرد نظرات الحسد..