د. حسن أحمد حسن يكتب:الوحوش البشرية تنهش أطفال غزة.. مذبحة المشفى المعمداني بإشراف بلينكن
د. حسن أحمد حسن يكتب:الوحوش البشرية تنهش أطفال غزة.. مذبحة المشفى المعمداني بإشراف بلينكن
لا لن نبكي شهداء فلسطين… لا لن نبكي براءة الأطفال وقد تناثرت أشلاؤهم في باحة المشفى المعمداني في غزة… لن نبكي غزة ولا فلسطين فحسب، بل نبكي الصليب المعلق على بوابات المشفى الإنجيلي الذي تحول إلى ركام.. الصليب الذي يحمل قيم الفداء والتضحية بالنفس لإنقاذ البشرية وترسيخ قيم المحبة والسلام والأمن والطمأنينة…
الصليب الذي زين بوابات المشفى وردهاته وممراته منذ إقامتها إلى ساعات قليلة عندما انهالت قنابل الحقد والموت لتقطع أوصال الصليب وتغرقه بدماء الضحايا الأبرياء، وتذكر العالم بإجرام قتلة الأنبياء وأعداء القيم السمحة النبيلة المؤودة ظلماً بحراب أعداء الله والحق وهم يتباهون بجرائمهم ويتفاخرون بقدرتهم على استخدام أحدث أسلحة الفتك والدمار التي زودتهم بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة… نعم إننا نبكي إنسانية الإنسان المنحورة على أيدي بلينكن ونتنياهو وأوستن وغالانت بمباركة جو بايدن الذي كان يستعد للقدوم والتوضؤ بدماء الأطفال والنساء والعجز وطواقم العمل في المشفى ليثبت مصداقية انتمائه للصهيونية وإن لم يكن يهودياً، فهو أكثر صهيونية من اليهود أنفسهم وفق اعترافاته..
لا لن نبكي، ولن نغص بالألم يعتصر الأرواح قبل الأجساد، وواهمٌ من يظن بأن الإجرام غير المسبوق سيوهن من إرادة المقاومين عشاق الحق والنور والضياء، بل على العكس تماماً، فمرارة الفاجعة وأهوال الجريمة المجزرة تذكي في نفوس الأباة العزائم والهمم.. إنها الزيت الذي يستمد منه مصباح المشكاة المباركة ما يلزم لديمومة اتقاد مشعل الوفاء لدماء جميع الأبرياء الذين ارتقوا شهداء دفاعاً عن الهوية ونقاء الانتماء لأقدس ثرى باركه رب العالمين، وسيبقى الأطهر والمبارك رغم محاولات شذاذ الآفاق تنجيسه وتدنيسه، فكل ما عصف بالمنطقة من كوارث وويلات إنما سببه ويقف خلفه كيان الاحتلال السرطاني المؤقت وداعموه وأتباعه، وما خلفته الداعشية الصهيونية التي صدَّرت “داعشها” الصغرى منذ سنوات لتعيث قتلاً وخراباً وتدميراً وترويعاً وإرهاباً في سورية والعراق والمنطقة، وعندما تم تهشيم عمودها الفقري على الجغرافيا السورية والعراقية بدعم الأشقاء والأصدقاء والحلفاء أطل الأصيل الإسرائيلي المدعوم أمريكياً وأطلسياً ليكمل الدور الذي عجز عن تنفيذه الوكلاء من الإرهاب التكفيري المسلح بمختلف مسمياته ومكوناته التي تهاوت تحت أقدام المقاومين المؤمنين بحتمية النصر الإلهي الموعود من رب العالمين، وها هو الأصيل الذي خلق الإرهاب المتهاوي يميط اللثام ويظهر بشخصه علانية في أبشع صور معاداة الإنسانية، وارتكاب أفظع الجرائم العلنية المتعمدة، ليجعل الجميع يترحمون على أيام الإرهاب الداعشي الذي لا يبلغ قيراطا من قنطار من الإرهاب المنظم الذي تمارسه حكومة نتنياهو تحت عنوان “الإبادة الجماعية” وللأسف فالعالم بكليته يرى ويسمع، وغالبية هذا العالم إلى الأمس القريب ـ بل ما تزال ـ تكتفي همساً بإدانة لفظية خجولة هذا إذا تجرأ أحدهم على الانتقاد والتعبير عن رفض الإرهاب الصهيو ـ أمريكي الذي تجاوز كل تصور أو خيال.
نعم إنها جريمة نكراء ببصمة أمريكية تقول: هكذا ترجم كبير الدبلوماسية الأمريكية أنتوني بلينكن يهوديته التي أعلن أنها هويته، وعنوان قدومه إلى تل أبيب أكثر من كونه وزيراً لخارجية الولايات المتحدة الأمريكية، ولأن يهوديته التي قدمها على عمله ومركزه الوظيفي أهم عنده وعند جميع فريق الإدارة الأمريكية جاء حضوره ومشاركته في اجتماع الأمني الإسرائيلي المصغر الذي اتخذ قرار ارتكاب الجريمة النكراء بتوقيع بلينكن، وبتفويض رسمي وعلني من جو بايدن نفسه، وهو القائل منذ عام 1986: (لو لم تكن هناك “إسرائيل” موجودة، لكان على أمريكا خلق “إسرائيل” لحماية مصالحها).
المشفى الإنجيلي في غزة مؤسسة دينية مسيحية تقدم خدماتها الصحية والإنسانية لجميع أبناء قطاع غزة، ولأن اليقين كبير بقدسية هذه المؤسسة ورمزيتها الدينية لجأ إليها الآلاف من الأطفال والنساء والمرضى والهاربين من جحيم القصف الإسرائيلي المتواصل على مدار الساعة على أمل أنها مؤسسة صحية دينية معنية بتقديم الخدمات الإنسانية للحفاظ على حياة البشر، ولم يكن يخطر بذهن أحد في الكون أن يتم استهداف المشفى بأكثر القنابل الأمريكية طاقة للقتل والتدمير، لكن ما لم يكن بالحسبان حصل، ورائحة اللحم البشري المتناثر ستبقى تزكم الأنوف ووصمة عار في جبين البشرية العاجزة عن حماية إنسانية الإنسان وحقه في العيش بكرامة في دولة مستقلة على ترابه الوطن الطهور.
من أين يأتي الكتاب وأصحاب الأقلام التي اعتادت معانقة الحقيقة بكلمات ترقى إلى مستوى الجريمة.. لا.. لا.. هي ليست جريمة فقط.. إنها فوق الإجرام بأبشع صوره..حتى أنها أشد قذارة من كل ما شهدته البشرية من إرهاب تكفيري وغير تكفيري منظم.. ولعل عظام نيرون روما تتململ بعد أن ثبت أن هناك ما يفوقها وحشية وشهوة في القتل والإحراق والتدمير والتطاول على جميع القيم السماوية والأعراف البشرية التي اعتاد المجتمع الإنساني على الالتزام بها حتى في العهود السحيقة القديمة، ولا أحسب أن الإنسان في العصر الحجري وما قبل العصر الحجري بلغ حدود إجرام الكيان الإسرائيلي، وقد خلع مسؤولوه ورعاتهم الدوليين أقنعة الزيف بعد أن ضاقوا بها ذرعاً، وكادت تحبس أنفاسهم جراء الكذب والنفاق وقلب الحقائق التي سرعان ما كشفت للعالم بكليته ليرى بأم العين أشلاء الأطفال والنساء والكهول المعلقة والمتناثرة في شتى أرجاء المشفى المعمداني في غزة.. دماء المئات الذين قضوا بقصف همجي وحشي بربري إرهابي إسرائيلي تطلق صرختها للكون وتسأل أهل الأرض والسماء ليقولوا كلمتهم في النازيين الجدد الذين يدَّعون أن أجدادهم وآباءهم تعرضوا لأذى النازية وشرورها الذي طال جميع البشر بمختلف انتماءاتهم الدينية والأثنية، فتم القضاء على النازية القديمة حفاظاً على القيم الإنسانية النبيلة، وها نحن أمام نازيين جدد ومصاصي دماء وقتلة خلت قلوبهم من معاني الإنسانية وتجاوزا لكل ما عرفه التاريخ البشري من جرائم، فمن هم الوحوش البشرية يا يوآف غالانت؟ ألست أنت القائل بأنكم تفرضون: “حصارا كاملا على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود… كل شيء مغلق…” وليتك اكتفيت بذلك، بل أضفت: “نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك”، وعلى العالم اليوم أن يحكم من هم الوحوش؟
أنتم لستم وحوشاً بشرية، بل وحوش حيوانية مفترسة تقتات على الدماء، وتحتكم في كل مفاصل حياتها وتفاصيلها إلى قانون الغاب حيث يأكل القوي الضعيف، وليكن بعلمك وعلم أسيادك الذين تقاطروا لتأييد الحكومة التي تعمل فيها أن المقاومين المؤمنين بالمقاومة المشروعة ثقافة وسلوكاً ونهج حياة هم الأقوى و الأبقى، وأنتم المؤقتون الراحلون الزائلون عما قريب.. فلعنة دماء أطفال غزة ستلاحقكم حتى في قبوركم أيها القتلة المجرمون.