كتابنا

جماليات السرد في الرواية القصيرة الجديدة

( رواية / نوفيلا/ قصة طويلة .....الهيكي )

حاتم عبدالهادي السيد

تمثل الروايات القصيرة( النوفيلا ) القاسم المشترك بين الرواية والقصة الطويلة ، وتختلف عن المتتالية القصصية في أن المتتالية تشترط وجود عدة قصص بالمجموعة تجمعها خيوط مشتركة، أو موضوعات متشابهة ، عبر خط هارموني متسلسل ينتقضم عقد بنائيتها التركيبة والموضوعية، بحيث تتماثل الموضوعات وتتضام، وتتجانس مع الجو العام لهذه القصص، ويمكن لنا أن نطلق على هذا العمل : قصة طويلة، أو رواية قصيرة ( نوفيلا)، وهى التي تميل الى التكثيف واختزال السرد عبر اقتصاديات اللغة المائزة .

ورواية( الهيكي) للمؤلف الجميل/ عبدالرحيم الهيكي تنتمي الى ذلك النوع من السرد الذى يمزج بين الفصحى والعامية عبر دراما السرد المسلسل المتنامي البسيط، والجميل، والذي يحمل العديد من المضامين والقيم الإنسانية الجميلة، فهى رواية اجتماعية انسانية من الطراز الأول ،يحتفي فيها الهيكي بالفضيلة عبر منظومة القيم والأخلاق في مجتمع تتسارع فيه قيم المادة الجافة، مع القيم الكبرى التى جسدتها الأديان السماوية، والتي تنشد الفضيلة والحب والعدل والحرية والمساواة مقابل اللا قيم، وتغليب المصلحة والمحسوبية على حساب الحق والخير والجمال .

ورواية الهيكي تمثل منعطفا لطيفا للسرد القصصي، الذى تتنامى فيها الأحداث وتتسلسل ، عبر هارموني ممتد متسق عبر فضاءات البناء السردي الجديد.

ان روايه الهيكي تحتفي بجماليات السرد عبر الجمل الحوارية الفطرية، البسيطة والعميقة، ولقد رأينا ذلك عبر الانتقالات المشهدية، والمواقف المتسلسلة لأبطال القصة الطويلة، أو الرواية .

لقد نجح الكاتب عبر الحوار، وانتقالات دراما السرد في خلق فضاء روائي جميل، انساني، فطرى، من خلال عفوية وجمالية الحوار السردى على لسان أبطال القصة، الذين يعيشون الفطرة المجتمعية بكل تفاصيلها، أو قل: البراءة التي رأيناها ، لتندغم الكوميديا مع التراجيديا في تواشج ينساب بجمال بديع، من خلال انسيابية الأحداث وعلاقات الشخوص الحميمة لنسمة وأختها عايدة، ومن خلال قصة الحب العذرية البريئة بين الدكتور سامح ونعمة- الطالبة في الجامعة-، وتظهر مهارة دراما السرد للراوي العليم، الذي نجح فى جعل القارئ يلهث وراء الأحداث بل جعله يتشارك معه في صنع الأحداث عبر مهارات التخييل ومن خلال المواقف التراجيدية التى تنتجها دلالات السرد المائز الجميل.

وفي القصة الطويلة الهيكى، أو( حكمت المحكمة ) للمؤلف عبد الرحمن الهيكي نرى انتصار الخير على الشر، وانتصار العدل على الظلم، كما أنها تقدم الفضائل الانسانية عبر الحياة، مقابل القيم الاستهلاكية التي تمثل مفارقات للواقع. فهو هنا عبر هذه القيم، يحدثنا عن الحياة عبر مفارقات الفرح والحزن، من خلال سرد واقعي اجتماعي ،حيث حياة الأسرة في منزل عادي لأسرة تصارع الحياة بالعرق والكد والكفاح، وأب يعمل موظفا بالسكة الحديد، وأم هي ربة منزل تحفظ الكثير من العادات والتقاليد ، وتربى أولادها على القيم والفضيلة، والأمثال الشعبية، وحكم الحياة النبيلة،التي تعلمتها في جامعه الحياة ،حيث الحياة جامعة كبيرة يتعلم فيها المرء قيما وأخلاقا ومبادئ كبرى، فمثلا تقول الأم : ( البيت بلا قران بيت للشيطان)، ويقول الأب: ( لا تجعلوا الشيطان يدخل بينكم، بل اجعلو العلم نوركم ،ولا تبخلوا بالعلم على أحد) .
ورواية الهيكي تدور أحداثها عبر المنزل والجامعة وشوارع الحياة، بصفه عامة، وهي تمثل حلم البسطاء والأسر الفقيرة، التي تسعى لتغيير واقعها الاجتماعي والاقتصادي من خلال التعليم،حيث العلم يكسو المرء أجمل حلة كما أن العلم يرفع بيوتا لا عماد لها،.

ان شخصيتي نسمة وعايدة هما الشخصيتان المحوريتان لأبطال هذه النوفيلا الممتعة، وتوضح الأحداث لتظهر مى العلاقة الحميمة بينهما، في البيت، وفي الجامعة، وفي الحياة بشكل عام، وكانت لكلتيهما طموحات وأحلام للتفوق في الجامعة، حيث تحلمان بأن تصبحا معيدتين ، كما تحلم نسمة بالزواج من الدكتور سامح- الذي يكبرها فى السن كذلك- لكنهما كانتا مندهشتين حين حدثهما الدكتور سامح عن المحسوبية وتعيين أقارب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات على حساب المتفوقات من الفقيرات، وهنا تصطدم القيم الاستهلاكية الماجنة والفساد الإداري بقيم الحق والخير والجمال، لكن لم يتم تعيين نسمة في الجامعة كمعيدة، وتم تعيين احدى قريبات رئيس الجامعة ، وهنا تبدا عقدة الرواية، لكن نسمة أصرت على الذهاب الى المحكمة ورفع قضية على الجامعة، وعلى رئيس الجامعة، وتنتصر العدالة في النهاية، ويتم اصدار حكم قضائي بتعيين نسمة معيدة في الكلية، و هنا أيضا تعالج الرواية قضية الفوارق الطبقية، حيث يتقدم الدكتور سامح الرجل الغني، واستاذ الجامعة لخطبة نسمة الفتاة الفقيرة، لتقول الرواية : ان الفوارق الطبقية تذوب عبر الحب ، كما تتحطم بالعلم وبالارادة، والتعليم والتربية الحسنة.

وفي النهاية : ان رواية الهيكي تؤسس للقيم المجتمعية النبيلة، والقيم الانسانية السامقة .

يظل في النهايه المؤلف الجميل/ عبد الرحيم الهيكي اسما جميلا يقدم الفضيلة في إطار سردي انساني رائع، وتظل معزوفته الجمالية شاهدا لانتصار العدل والقيم الانسانية الفاضلة علي الظلم والقبح عبر الكون والعالم والحياة.

حاتم عبد الهادي السيد
عضو اتحاد كتاب مصر
رئيس رابطة الأدباء العرب

رئيس رابطة الأدب الافريقي الاسيوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى