تاريخ ومزارات

الزير.. رمز للتراث والحضارة المصرية على مر العصور 

دعاء رحيل

الزير.. هو وعاء فخاري كبير يستخدم لحفظ الماء وتبريده، وهو من الموروثات التاريخية والثقافية للشعب المصري. فقد استخدمه المصريون منذ عصور فرعونية قديمة، وظل حاضرا في حياة الفلاحين والبسطاء حتى يومنا هذا. وقد اشتهر  بفوائده الصحية والجمالية، فضلا عن دوره في نشر قيم التكافل والإحسان.

أشكال الزير

ففي مصر الفرعونية، كانت صناعة الفخار من أهم الحِرَف التي ازدهرت في ذلك الزمان، وظهر منها شكل خاص هو شكل الزير. وكان يُصَنَّع من طمي نيلي خام، يُخَلَّط مع بعض المواد كالقش أو الحجارة أو رماد الفحم، ثم يُشَكَّل على هيئة وعاء كبير، ثم يُجَفَّف تحت أشعة الشمس، ثم يُحَرَّق في أفران خاصة. وكان له شكل مستدير مائل نحو التضيق من فوق، وفتحة صغيرة من فوق، وقاعدة مستديرة من تحت.

ولأن الماء كان عنصرا حيويا للحياة، فقد اهتم المصريون بحفظه وتنقيته وتبريده. ولذلك استخدموا الزير كأفضل وسيلة لذلك، فضلا عن أنه كان يضفي جمالا وزخرفة على المكان الذي يوضع فيه. وكانت السيدات في الريف تملأ بالماء من النيل، ثم تبخره بالبخور، ثم تضعه في مكان مهوي، وتضع تحته حوضا أو طبقا لجمع الماء الزائد. وكانت تستخدم نوى المشمش أو الليمون لتنقية الماء من الشوائب.

ولم يقتصر استخدام الزير على المنازل فقط، بل امتد إلى الحقول والطرقات والأسواق. فكان المصريون يبنون حول الزير تعريشة أو سقيفة من الخشب أو الطين أو سعف النخيل، تحميه من حرارة الشمس وتزينه بالألوان والنقوش. وكان يعلق عليه كوب من النحاس أو الفخار، يشرب منه عابري السبيل أو المارة. وكان هذا يعد من أعظم أعمال البر والإحسان، وكان يسمى بالسبيل.

شهرة الزير

وبسبب شهرته وأهميته في حياة المصريين، فقد دخل في عدة أمثال شعبية تعبر عن حكمة وخبرة هذا الشعب. فمثلا نجد المثل “النواية تسند الزير”، يدل على قدرة الشيء الصغير على مساعدة الشيء الكبير. أو المثل “لما طلب الغني شقفة… كسر الفقير زيره”، يدل على كرم الفقير وإن كان محتاجا. أو المثل “السبت فيه العيش والمية في الزير… ماتعرف إن كان ده غفير ولا وزير”، يدل على قناعة ورضا المصري بالحال.

ولا يزال الزير حتى يومنا هذا رمزا للتراث والحضارة المصرية، فهو يحكي قصصا عن ماضٍ عظيم وحاضر مشرق. وهو يجسد قيم التضامن والإخاء بين أفراد المجتمع. وهو يعطي صورة جميلة عن فن وذوق المصري في صناعة وزخرفة هذا الوعاء. فلذلك نجد أن بعض المتاحف والمؤسسات الثقافية تحافظ على هذه التحفة التاريخية، وتعرضها للجمهور بكل فخر واعتزاز.

أمثال للزير

“الزير وغطاه شاهدان على الحق“: هذا المثل يستخدم للإشارة إلى حقيقة مؤكدة وواقعة لا جدال فيها أو إنكار لها.

“الزير ما يمليش البير“: هذا المثل يدل على أن البير أوسع من الزير في سعته من الماء، ولذلك لا يستطيع الزير أن يملأ البير بمائه، وكذلك يعبر هذا المثل عن أن الفقير لا يقدر على إعطاء الغني، وهو مشابه للمثل “الفاضي ما يزودش المليان”.

متحف الآثار أظهر متحف الآثار في مدينة ملوي بواسطة صفحته على “الفيس بوك” بعض القطع الأثرية المصنوعة من الفخار ومن ضمنها “كلجة” فخارية تستعمل لجمع الماء المتسرب من زير الماء، وترجع تاريخها إلى العصر الأيوبي.

وكان في ذلك الزمان مرتبط بـ”السبيل”، الذي انتشر منذ العصر الأيوبي، وكان مخصصًا لخدمة الناس كصدقة لإرواء ظمأ الماء، حيث كان الماء يوضع فيه من قبل السقا لجعل الماء باردًا في حرارة الصيف، وخصصت له أماكن مناسبة، وبنِيَت حوامل من الحجارة لوضعه عليها.

وفي عهد الخديوي إسماعيل اشتهرت شوارع القاهرة بـ”الزير المعلق” حيث كان يعَلَّقُ الزير على حامل في جدار في حارة، وكان هناك تحته “مصطبة” يصعد عليها من يريد شرب الماء وأخذ كأس، وهناك حارة في القاهرة سمِّيَتْ باسم حارة الزير المعلق.

أشهر أماكن صناعة الفخار في مصر

أولى الصناعات تعَدُّ المنتجات الفخارية من أولى ما ابتكره الإنسان، واتسمت منتجات الفخار في مصر بالخصوص، بسبب توافر الطين من نهر النيل.

وأما عن أشهر أماكن صناعة الفخار في مصر، فبرزت بها بعض قرى: ندرة وحجازة والشيخ علي والطويرات في قِنَى، وقرية جريس في المنوفية، سمنود في دِلْتَى، والقصر في وَحَاتِ والبداري في أسِّیُوط، ومَنْفَافِیْسْ في المِّینْیَۃ، والدير في إسْنَۃ في الأقصر.

يقول الدكتور ناجح عمر، أستاذ الآثار والحضارة المصرية القديمة بكلية الآثار بالفيوم: “تشتهر قرية النزلة بالفيوم بصناعة الفخار، وكانت الفيوم من أوائل المناطق في مصر التي اتسمت بتصنيع الفخار، فالفيوم من المستوطنات الحضارية الأولى في مصر، وبدأت بها صناعة الفخار منذ العصر الحجري الحديث فيما قبل 5 آلاف ق.م، وتنوعت صناعة الفخار ما بين أواني مختلفة الأحجام والأشكال، لكن لم تكن عليها زخارف في تلك الفترة”.

وأضاف: فيما بعد صنِعَتْ في الفيوم أواني كبيرة من الفخار تشبه “الزير” لحفظ الماء. وعثِرَ على تلك الأواني في قرية كرانيس بمنطقة كوم أوشيم، التي كانت تشتهر في العصر الروماني بهذه الصناعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى