تاريخ الأغاوات على مر العصور.. مابين الثروة والواقع المرير
أسماء صبحي
ينتشر استعمال كلمة الأغاوات في العديد من اللغات، فهي في الفارسية تطلق على رئيس الأسرة وكبيرها. وهي عند الأتراك تعنى الرئيس والسيد وصاحب الأرض ورئيس خدمة البيت. كما أطلقت على من يعمل فى خدمة الحكومة وفي الوظائف العسكرية. ومن أشهر من اختصوا بهذا اللقب الخدم من الخصيان ممن يعملون في القصور.
والخصيان أو المخصيون هم فئة من الرجال منقطعوا النسل، إما ذلك لولادتهم بأعضاء تناسلية معطلة. أو ممن اخضعوا إلى عملية خصاء متعمد لتعطيل طاقتهم الجنسية بهدف العمل داخل قصور السلاطين والتجّار ورجال الدولة وحرملك الحريم.
يعود تاريخ “الخصي” للإنسان بعرقيه الأبيض والأسود إلى العصور القديمة جداً، ويعتقد أن الفراعنة هم أول من استخدم “الخصيان” للخدمة في قصورهم.
أما في أوروبا فكان تجار الرق وأكثرهم من اليهود يبتاعون الأسرى من جهات ألمانيا عند ضفاف الراين والألب. ليقوموا بإخصاء أعدادا كبيرة منهم لبيعهم بأثمان غالية، فراجت تلك البضاعة وكثر المشتغلون بها.
وفي إيطاليا كانوا يعمدون إلى خصي المطربين والفنانين لصقل وتحسين وترفيع أصواتهم ولا تُفتن بهم النساء؛ فينشغلوا عن الطرب.
تاريخ الأغاوات
ويعود تاريخ الأغاوات في الدولة الاسلامية إلى عهد معاوية بن ابي سفيان، فهو أول من وضع خدامًا للكعبة المشرفة من العبيد. ويعتبر يزيد ابن معاوية أول من اتخذ الخصيان لخدمة الكعبة وأول من استخدمهم في قصرة، واتخذ منهم حاجباً لديوانه اسمه “فتح”.
ويُذكر الاصفهانى أنّه فى القرن السابع أصدر أحد خلفاء بني أميّة أمرا لوالي المدينة بإحصاء المخنّثين من المطربين. فرأى الوالي نقطة على الحاء تركتها ذبابة لتتحول الكلمة إلى “إخصاء” بدلاً من إحصاء، فأمر الخليفة بإخصائهم جميعاً .
وعلى أثر فتوى شرعية تحرّم الخصي، ولكنها تبيح استخدام المخصيين إذا قام غير المسلمين بخصيهم. فقد تم إرسالهم إلى مصر كانت عملية الخصي تجرى في مدينتي (جرجا وأسيوط) حيث يقوم عليها جماعة من المسيحيين. ويختارون هؤلاء الضحايا من بين صغار السن الذين تراوح اعمارهم بين ثلاث وتسع سنوات. ممن تأتي بهم قوافل (الجلابة ) المحملة بالأرقاء من مختلف البقاع.
وتتم عملية الخصى عادة في فصل الخريف لاعتبارات صحية، حيث يتم بتر عضو التذكير ثم يصبون في الحال على مكان البتر الزيت المغلي. ويتبعونه بإلقاء مسحوق الحناء، ويثبتون أنبوباً في الجزء الباقي من مجرى البول. ثم يدفنون الضحية في الأرض إلى ما فوق بطنه، وبعد أن يتركوه في هذه الحالة يوماً إلى يومين يستخرجونه من التراب. ويدهنون مكان الجرح بعجينة من الطين والزيت.
كان “الخصيان” يشكلون حلقات الوصل بين قصور النساء وقصر الملك، حيث ينقلون الأسرار من وإلى النساء. مما اكسبهم معلومات هائلة عن القصور وما يدور خلف الجدران مكنتهم من الفوز بأرفع المناصب سواء في القصورر أو خارجها.
وهناك من “الخصيان” من وصل إلى سدة الحكم مثل كافور الاخشيدي العبد النوبي الذى علّمه الاخشبد فنون الحرب والقتال وعينه مربياً لأولاده. إلاّ أن “كافور” صرف الأبناء عن الحكم بالملاهي والملذات بعد موت والدهم؛ ليظفر بالحكم .
الأغاوات في مكة والمدينة
ويوجد فى مكة والمدينة بعض الأغاوات ممن يقوموا بخدمة الحرمين الشريفين. لأنهم أكثر بعداً عن الملذات وإخلاصا في العمل فكانوا يؤدون الكثير من الأعمال ومنها: فصل النساء عن الرجال في الطواف والمسعى وعند إقامة الصلاة. ويمنعون الإخلال بالنظام، إضافة إلى غسل الحرم، وإضاءة المصابيح وفرش السجاد، ويظهر لهم عامة الناس كل الاحترام والتقدير.
اما أغاوات الحرم النبوي الشريف فيعود تاريخهم إلى زمن الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب. فهو أول من عين خصيانا لخدمة المسجد النبوي الشريف، والأغاوات على مر العصور يتميزون بزي معين، فقد وصفهم ابن بطوطه في رحلته قائلاً إن الأغاوات على هيئات حسان وصور نظاف وملابس ظراف.
وذكرهم المستشرق الانجليزي “بيركهارت” عند إقامته في مكة والمدينة عام 1814م بقوله : إن هؤلاء “الخصيان” في الحرم يرتدون زياً خاصاً، ومنها مشيراً إلى أن عدد الخصيان في الحرم كان 40 آغاً معظمهم يرسلون من النبلاء وأهل الخير هدية للحرم.
وازداد الاهتمام بهؤلاء الأغوات طوال الحكم السعودى حيث صرفوا لهم مرتبات مجزية إضافة إلى عوائد الأوقاف التى توزع عليهم بالتساوي. وأوقافهم منتشرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة والطائف والإحساء ولهم أوقاف في العراق والمغرب واليمن.
وتمتع الأغاوات بحصانة دون غيرهم من الجنس البشري – منذ عهد الخلافة – لا تجيز لأحد أن يتدخل في شؤونهم الخاصة والعامة. فأصبحوا فئه مستقله في نظامهم الداخلي وعاداتهم وتقاليدهم وأملاكهم وأوقافهم وفي عتقائهم.
وعلى الرغم من هذا كان معظم الأغوات يتزوجون (ليس من أجل المتعة الزوجية) بل من أجل خدمته ورعاية شؤونه وغسله عند الوفاة. حيث تزوجوا من الاماء والجوارى والأرامل والمطلقات ومن أمهات الأيتام طمعاً في نيل الاجر والثواب.