تاريخ ومزارات

من أيام الفراعنة.. حكاية “كحك العيد” المحشو بالدنانير الذهبية

أميرة جادو

يعتبر كحك العيد ليس مجرد حلوى تقليدية نرتبط بها في الأعياد، فأنت لم تغص بعد في أعماق التاريخ المصري
ليست حلوى الكحك مجرد طعام نرتبط به في المناسبات الدينية، بل هي قطعة من الذاكرة الحضارية المصرية الضاربة في عمق التاريخ، هذه الحلوى الناعمة التي غالبًا ما تحشى بالمكسرات أو الملبن أو العجوة، تجسد تقاليد ممتدة من عهد الفراعنة إلى يومنا الحاضر، حيث لم تفلح القرون ولا التغيرات السياسية والاجتماعية في اقتلاعها من وجدان الشعب المصري.

مصر الفرعونية أصل الحكاية

وفقًا لما ورد في كتاب “لغز الحضارة الفرعونية” للدكتور سيد كريم، فإن القصة بدأت من مصر القديمة، عندما كانت نساء القصر الفرعوني يعددن الكحك للكهنة الذين يتولون حراسة هرم خوفو، لا سيما في مناسبة تعامد الشمس على حجرة الملك، آنذاك، لم يكن الكحك مجرد حلوى للاستهلاك، بل كان يحمل دلالات رمزية، إذ كان يشكل على هيئة قرص الشمس تكريمًا للإله “رع”، رب الشمس في المعتقدات الفرعونية، وقد وثقت الجداريات في مقابر طيبة ومنف هذه الطقوس، مشيرة إلى تنوع أشكال الكحك التي تجاوزت المئة.

«كحك بالدنانير».. عهد الدولة الإخشيدية

مع مرور الزمن، استمر الكحك في حضوره ضمن الطقوس الرسمية والشعبية، فشهد في العصر الإسلامي تحولًا جديدًا، في عهد الدولة الإخشيدية، أضفى الوزير أبو بكر المادراني لمسة فريدة على صناعة الكحك خلال عيد الفطر، إذ أدرج بداخله دنانير ذهبية، مما جعل الناس يطلقون عليه اسم “أفطن إليه”، أي انتبه لمحتواه، لم يكن الكحك في هذا العهد مجرد طعام يهدى، بل صار وسيلة للمفاجأة وإضفاء البهجة على الاحتفال.

احتفالية سنوية للكحك في العصر الفاطمي

بلغت صناعة الكحك أوجها في العصر الفاطمي، حيث أولاه الخلفاء اهتمامًا بالغًا، فقد خصصت له ميزانية ضخمة قدرت بعشرين ألف دينار، وتفرغت المصانع بدءًا من منتصف شهر رجب لصناعته بكميات كبيرة جدًا، وكان الكحك ينتج بأحجام ضخمة، حتى أنه كان يقارب حجم رغيف الخبز، والمدهش أن هذه الكميات لم تكن حكرًا على القصور، بل كانت توزع على عامة الناس، لتتحول صناعة الكحك إلى مناسبة قومية ينتظرها المصريون من عام إلى عام.

الكحك في المتحف الإسلامي

ورغم انقضاء القرون وتبدل الأحوال، لا تزال آثار هذا التراث العريق محفوظة في المتحف الإسلامي بالقاهرة، ففي هذا المتحف، يمكن للزوار مشاهدة قوالب الكحك القديمة المزينة بعبارات ذات طابع اجتماعي وديني، مثل “كل هنيئًا واشكر” و”كل واشكر مولاك”، وهي عبارات تحمل عبق الزمن الماضي وتجسد روح التواصل والمشاركة التي شكلت جزءًا من هوية المجتمع المصري.

كما ظل كحك العيد محتفظًا بمكانته كرمز للفرح والمحبة والتواصل الاجتماعي، يمر من جيل إلى جيل دون أن يفقد بريقه أو نكهته الخاصة، بدءًا من المعابد الفرعونية، مرورًا بالقصور الإسلامية، ووصولًا إلى بيوت المصريين اليوم، ظل الكحك شاهدًا حيًا على حضارة لا تزال تنبض بالحياة، حكاية تتكرر كل عام، وتُعيد وصل الماضي بالحاضر على موائد العيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى