حوارات و تقارير

في ذكرى وفاته.. لماذا حاولوا اغتيال اللواء عمر سليمان قبل أن يصبح نائبًا لمبارك؟

دعاء رحيل

اللواء عمر سليمان .. في 29 يناير 2011، كان مصير مصر معلقًا بخيط رفيع. كان الرئيس حسني مبارك يواجه احتجاجات شعبية ضخمة تطالب برحيله، وكان قادة الجيش يدركون أنه لا بد من تغيير في السلطة. وفي هذا السياق، قام مبارك بخطوة غير مسبوقة: تعيين نائب له بعد ثلاثة عقود من حكمه دون شريك، ولكن من كان خياره الأول؟ وماذا حدث له قبل أن يتولى المنصب؟ وهل كان هناك مخطط لإزاحته من الساحة؟، في هذا المقال، نستعرض شهادات ووثائق تكشف عن كواليس تلك الأيام المصيرية، والتي شهدت محاولة فشلت لاغتيال عمر سليمان، مدير المخابرات العامة، الذي أصبح فيما بعد نائبًا لرئيس الجمهورية.

المشير طنطاوي… رفض عرض مبارك

في صباح ذلك اليوم، اتصل مبارك بقائد جيشه المشير محمد حسين طنطاوي، وطلب منه أن يأتي إلى قصر الرئاسة. كان مبارك يرغب في تقديم عرض لطنطاوي: أن يصبح نائبًا له في محاولة لإرضاء المحتجين.

ولكن طنطاوي كان لديه رأي آخر. كان قد التقى قبل ذلك بساعات مع رئيس أركان الجيش سامي عنان، الذي عاد من زيارة إلى الولايات المتحدة. وفقًا لشهادة عنان التي نشرت عام 2012، فإن عنان اقترح على طنطاوي خطة لإجراء “انقلاب ناعم” سيرضى به الشعب والجيش، دون أن يؤدي إلى صدام دموي.

وكانت الخطة تتضمن تشكيل مجلس رئاسي برئاسة طنطاوي، وإعلان حالة طوارئ، وحل مجلسي الشعب والشورى، وتعيين حكومة انتقالية، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال ستة أشهر.

وبحسب عنان، فإن طنطاوي استمع إلى اقتراحه بترحيب، ولكنه سأله إن كان هناك أي شخص آخر يعرف بهذه الخطة. وعندما نفى عنان، قال له طنطاوي: “بلاش الكلام ده”، مما يدل على أنه لا يريد المخاطرة بالمشاركة في مؤامرة ضد رئيسه.

وفي الوقت نفسه، كان الجيش يتلقى رسائل من الولايات المتحدة تحذره من التدخل في الأزمة السياسية، أو من استخدام العنف ضد المتظاهرين. وفي رسالة سرية بعثت بها السفارة الأميركية في القاهرة إلى وزارة الخارجية في واشنطن، جاء أن الجيش يعلم أن المظاهرات ليست من تحريض أي جهة خارجية أو داخلية، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين. كما جاء في الرسالة أن الجيش يدرك أن مبارك لابد أن يرحل، لكنه لا يعرف متى هو الوقت المناسب لذلك.

ولذلك، عندما اجتمع طنطاوي بمبارك في قصر الرئاسة، رفض عرضه بأدب. وكان هذا بمثابة إشارة إلى أن الجيش لم يعد يؤيد مبارك، وأنه سيرفض أي تحرك قد يزيد من تأزم الأوضاع. وفي خطوة غير مألوفة، نشر بيان من القوات المسلحة في نفس اليوم اسم المشير طنطاوي بصورة كاملة، مؤكدًا دوره كقائد للجيش.

اللواء عمر سليمان… هدف لكمين

بعد رفض طنطاوي، اضطر مبارك إلى البحث عن خيار ثانٍ. وقد وقع اختياره على عمر سليمان، مدير المخابرات العامة، والذي كان يُعتبر رجله الموثوق في التعامل مع الملفات الحساسة. وقد قبل سليمان على عكس طنطاوي.

ولكن قبول سليمان لم يأت بسهولة. فقد تعرض لمحاولة اغتيال فاشلة أثناء توجهه من مقر المخابرات إلى قصر الرئاسة. وفقًا لشهادته التي أدلى بها في أبريل 2011،فإنه كان يستقل سيارة مصفحة، وعندما وصل إلى منطقة كبري القبة، تعرض موكبه لإطلاق نار من مجهولين. وقال إن حراسه تصدوا للمهاجمين، وأن السائق تمكن من إخراجه من الموقع بسرعة. ولكن لم يكن هذا الكمين الوحيد، ففي طريقه إلى الرئاسة، تعرض موكبه لإطلاق نار ثانٍ، لكنه نجا أيضًا منه.

وبعد أن وصل سليمان إلى الرئاسة، أخبر مبارك بما حدث له، ولكنه لم يتهم أي جهة بالوقوف وراء المحاولة. ولم تصدر أي جهة رسمية تعليقًا على الحادث، وظلت حقيقته مجهولة.

ولكن هناك من رجح أن يكون هناك مخطط لإبعاد سليمان عن المشهد السياسي. فالضابط السابق في المخابرات المصرية جمال مظلوم، قال إن هناك احتمال أن “يكون أحد ممن لا يرغب بتواجد عمر سليمان على المسرح” هو من نفذ الكمين.

سليمان نائبًا لمبارك… والثورة مستمرة

بعد أن نجا سليمان من المحاولتين، أعلن مبارك في خطاب تاريخي على التلفزيون المصري عن تعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية. وقال إنه يأمل أن يساعده في “الخروج من الأزمة الحالية”، وأن يشاركه في “تحديات المستقبل”.

ولكن هذا الإعلان لم يُشكل نقطة تحول في مسار الثورة. فالشعب المصري لم يكتفِ بتغيير شخصيات، بل طالب بتغيير جذري في النظام. وتواصلت المظاهرات في مختلف المحافظات، مطالبة بإسقاط مبارك وإجراء اصلاحات دستورية وديمقراطية.

وفي هذه المرحلة، كان على اللواء عمر سليمان أن يتولى دور الوسيط بين السلطة والثوار. فشارك في عدة اجتماعات مع قادة المعارضة والشخصيات الوطنية، في محاولة لإقناعهم بالتوافق على خارطة طريق للانتقال السلمي. وأعلن عن إجراء بعض التعديلات الدستورية والقانونية، وعن تشكيل لجنة للحوار الوطني، وعن تحقيق في أحداث العنف التي رافقت الثورة.

ولكن كل هذه الخطوات لم تكن كافية لإرضاء الشارع المصري، الذي رأى فيها مجرد مماطلة وتكتيكات للبقاء في السلطة. وبدأت الضغوط تتزايد على مبارك وسليمان من الداخل والخارج، لإعطاء إشارة واضحة بأنهما سيتنحيان عن الحكم.

وفي 10 فبراير، خرج مبارك في خطاب آخر، أثار فيه آمال الملايين من المصريين بأنه سيعلن استقالته. لكنه فاجأهم بالقول إنه سيبقى رئيسًا حتى انتهاء فترة ولايته في سبتمبر، وأنه سينقل بعض صلاحياته إلى سليمان. وقال إنه يرفض أي تدخل خارجي في شؤون مصر، وأنه يثق في قدرة شعبه على التغلب على التحديات.

مبارك يتنحى… واللواء عمر سليمان يعلن

خطاب مبارك هذا أثار غضبًا شديدًا في صفوف المصريين، الذين خرجوا بأعداد هائلة في اليوم التالي إلى ميادين الثورة. وشهدت البلاد مظاهرات غير مسبوقة في تاريخها، شارك فيها ملايين من المواطنين في كل المحافظات. وانضم إليهم عدد من العاملين في القطاعات الحيوية، مثل الصحة والتعليم والإعلام والمواصلات.

وفي هذا الوقت، كان اللواء عمر سليمان يحاول التفاوض مع قادة الجيش، لإقناعهم بالسماح لمبارك بإكمال فترة ولايته. لكن الجيش كان قد اتخذ قراره بأن يضع حدًا للأزمة. ففي 11 فبراير، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بيانًا أعلن فيه أنه سيتولى إدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية.

وفي نفس الليلة، خرج سليمان على التلفزيون المصري، وأعلن بصوت متعب أن مبارك قد قرر التخلي عن منصب رئاسة الجمهورية، وأنه قد أوكل إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد. وقال إن هذا هو “الخروج من المأزق”، وأنه يأمل أن يستطيع الشعب المصري أن يتجاوز هذه المرحلة الصعبة، وأن يحقق أهداف ثورته، وبهذا الإعلان، انتهت حقبة مبارك التي استمرت لثلاثين عامًا، وبدأت حقبة جديدة في تاريخ مصر. وانفجر الشعب فرحًا وابتهاجًا بنجاح ثورته، وهتف بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

أما سليمان، فخرج من الساحة السياسية، وعاد إلى حياته الخاصة. ولم يظهر في الإعلام إلا نادرًا، ولم يشارك في أي نشاط سياسي. وفي 19 يوليو 2012، توفي سليمان في مستشفى في الولايات المتحدة، بعد إصابته بأزمة قلبية. ودُفن في مقبرة الأسرة في مدينة قنا جنوب مصر، وبذلك، انتهت رحلة عمر سليمان، الذي كان من أبرز رجال نظام مبارك، والذي كان قريبًا من أن يصبح رئيسًا لمصر. لكن الثورة قطعت طريقه، وأنهت حلمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى