عادات و تقاليد

عادات وتقاليد النوبة.. تراث يواجه خطر الضياع والزوال

دعاء رحيل

تراث النوبة.. من التراث الثقافي الغني في مصر، تراث أهل النوبة، الذي يتميز بعادات وتقاليد ولغة خاصة بهم. لكن هذا التراث يواجه خطر الضياع والزوال، بسبب التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تحدث في المجتمع. فمثلا، لغة النوبة، التي تعد من أقدم اللغات في التاريخ، تفقد قوتها وانتشارها بين أجيال النوبة الجديدة، التي لا تتقنها أو لا تستخدمها في حياتهم. هذا ما يؤكده المهندس محمود قندل، عضو جمعية قرية توماس وعافية لتنمية المجتمع بمركز نصر النوبة، قائلاً: “أخاف على لغتنا من الانقراض، فأولادي لا يجيدون التحدث بها، رغم أنهم يفهمون معانيها”.

تراث النوبة

وفي مجال الطعام، فالنوبة تشتهر بأكلات شهية وصحية، تعتمد على المكونات الطبيعية والبسيطة. من أشهر هذه الأكلات “كرمن مديد”، وهو عبارة عن عصيدة مضاف إليها حلبة خضراء وسمن بلدي. وكان هذا من أغلى طعام النوبة في الماضي. وأخرى “نورتن مديد”، وهو عصيدة دقيق مخلوطة بعسل أسود وسمن. ولهذه الأكلات نكهة مميزة ولذيذة.

وللنوبة فنون حرفية رائعة، تستخدم في تزيين المنازل والملابس. من هذه الفنون صناعة “الإبراش” من سعف النخيل، والتي كانت تستخدم كستائر أو سجاد للأرض. لكن هذه الصناعة بدأت تتلاشى، وحل محلها المصنوعات البلاستيكية. كذلك “الجرجار”، وهو نوع من المجوهرات التي تزين الفتيات فوق ثيابهن. وهذا الجرجار أيضاً يختفي تدريجياً، ويحل محله العباءات السوداء. ومن بين الملابس التقليدية التي ما زالت ترتديها بعض السيدات “الشقة البيضاء”، وهي ملاية بيضاء توضع فوق الثياب. وهذه الملابس تنتشر في بعض قرى النوبة بين السيدات كبار السن.

مظاهر هوية النوبة

ومن أهم مظاهر هوية النوبة، ارتداء الرجال للجلباب النوبي، الذي يتمتع بأكمام واسعة وجيب أمامي واحد. وهذا الجلباب يختلف عن الجلباب السوداني، الذي يحتوي على جيبين ويمكن ارتداؤه من جهتين. كما يضع الرجال على رؤوسهم “العمة”، وهي قطعة قماش بيضاء طويلة، تصل إلى خمسة أمتار.

ومن التقاليد المحببة للنوبة، صناعة “الإبريق”، وهو نوع من الخبز الرقيق، يشبه الفطير. ويصنع على فرن خاصة تسمى “الدوكة”، وهي مصنوعة من طمى نهر النيل. وتحلى هذا الإبريق بعصير الليمون.

وفرن “الدوكة” هي من التراث القديم للنوبة، وكانت تصنعها نساء النوبة من طمى نهر النيل، وتحرق في النار حتى تصير صلبة. ثم توضع في الشمس لفترة، وتدهن بالعسل والخروع. والخروع كان يزرع في حدائق النوبة بكثافة.

ويرى المهندس هشام عادل، عضو الاتحاد النوعي للجمعيات النوبية في مدينة أسوان، أن أهل النوبة ما زالوا متصلين بتراثهم، حتى لو سكنوا في أماكن بعيدة عن قراهم. ويذكر أن من أبرز التقاليد التي لا تزال قائمة حتى الآن هو زواج الفتاة داخل منزل أبيها لمدة عام على الأقل، حتى تتعلم كيفية إدارة بيتها الجديد تحت إشراف أمها، كما يشير إلى أن من عادات زفاف النوبة ارتداء الزوج جلباب نوبي أبيض في ليلة “الحِـنة بينما ترتدي العروس الساري الجميل.

النوبة: ثقافة عريقة تحتفظ بتراثها وتتأقلم مع العصر

النوبة هي منطقة تاريخية تمتد على ضفتي نهر النيل في جنوب مصر وشمال السودان. تتميز بثقافتها الغنية والمتنوعة التي تشكلت من تأثيرات مختلفة عبر العصور. ومن بين عاداتها المميزة التوديع الحافل للحجاج الذين يسافرون إلى الأراضي المقدسة، حيث يغنون لهم أغان خاصة، كأغنية “عديلة عديله.. أووه حجاج.. عديله”، ويزفونهم وكأنهم في يوم زفاف.

ويقول هاني يوسف، الرئيس السابق للاتحاد النوبي، إن الثقافة النوبية لها جذور عميقة، وقد تلقت تأثيرات من ثقافات متعددة، ورغم أنها ما زالت قوية ومتماسكة، فإن بعض التقاليد قد اختفت أو تغيرت.

مثلاً، كانت هناك عادة قبطية لتعميد الطفل في يوم السبوع، تتضمن رش الحليب في النيل وغسل وجه الطفل بماء النيل كبركة منه، لكن هذه التقليد اندثر بعد نزوح النوبيين بعيدًا عن النيل.

أما التكافل الاجتماعي فهو من سمات المجتمع النوبي التي استمرت على مر الزمان، فلا يجد نوبي نفسه في حالة فقر أو حاجة، بسبب التضامن والروابط بين أفراد الأسرة والجيران. وفي هذا الإطار، تأسست جمعيات أهلية نوبية منذ عام 1890، تهدف إلى التلاقي في المناسبات والإجازات والمساعدة للمحتاجين.

ولا تقتصر هذه الجمعيات على مصر فقط، بل توجد أيضًا في دول أخرى، حيث يستقبلون أبناء بلدهم بكرم وضيافة، ويلبون احتياجاتهم حتى يستقرون في حياتهم.

وسائل الحفاظ على تراث النوبة

ولعل أبرز مظهر لثقافة النوبة هو لغتها التي تضم لهجتين رئيسيتين هما الفاديجا والماتوكي. وحرصًا على المحافظة على هذه اللغة من خطر الاندثار، تقوم بعض المؤسسات والجمعيات بإقامة دروس وبرامج لتعليمها ونشرها، خاصة في ظل الانفتاح الإعلامي الكبير في الوقت الحاضر. كما توجد قنوات على يوتيوب تقدم برامج باللغة النوبية، وتشرح بعض الكتب لكبار المفكرين والمثقفين بها.

ومن أهم وسائل الحفاظ على اللغة النوبية هي الأغنية التي تحظى بشعبية واسعة، والتي تعبر عن حب النوبي لأرضه وحنينه إليها، وعن ملامح حياته في الزراعة والسقي والحصاد. والمثير للاهتمام أن أبناء المحافظات الأخرى في الصعيد يشاركون الفنانين النوبيين فرحهم، ويحفظون أغانيهم رغم عدم فهمهم للغتهم.

وفي مجال آخر، يساهم الفن النوبي في الترويج للثقافة النوبية وتاريخها، فبعض الأغاني تروي قصصًا عن النوبة القديمة التي كانت تسمى “بلاد الدهب”، والتي كانت تزخر بأشجار النخيل والبيوت الملونة والفسيحة.

كذلك، هناك نسبة كبيرة من أبناء النوبة يعملون في مجال السياحة البيئية، ويفتحون أبواب منازلهم للسائحين للاستمتاع بالطبيعة والتقاليد النوبية، خاصة في قرى غرب سهيل وغرب أسوان، وفي مدينة أبو سمبل، حيث يعيش السائح تجربة فريدة في أجواء النوبة الأصيلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى