قبائل و عائلات

هجرة قبيلة العقيدات من حائل إلى دير الزور.. وكفاحهم ضد المستعمر الفرنسي

أسماء صبحي

كان الزبيد ملازمين في ترحالهم لإخوانهم من قبيلة طيء العربية، واستوطنوا جميعاً في حائل. ثم كانت لهم إمارة الجبلين في حائل في القرن الثامن والتاسع الهجري حتى بداية القرن العاشر الهجري.

وكان آخر أمرائهم هناك هو بهيج بن ذبيان الزبيدي، الملقب بسلطان البر. وقد نص على ذلك المؤرخ ابن عقيل الظاهري، والعلامة عباس العزاوي. والدكتور المؤرخ عبدالله الصالح العثيمين، والدكتور علي الشواخ الشعيبي. والمؤرخ عبدالرحمن السويداء، ومؤرخ الجزيرة العربية العلامة حمد الجاسر وغيرهم.

خروج بهيج بن ذيبان من حائل

وفي عهد بهيج بن ذبيان الزبيدي كانت قد وصلت آنذاك من الجنوب إلى حائل قبيلة عبدة الضيغمية المشهورة بالسناعيس. لتنضم إليها قبيلتي الأسلم وزوبع الطائيتين، مشكلين بذلك جبهة كبيرة وقوية ضد بهيج وقومه الزبيد وحلفائهم من قبيلة بني لام الطائية. لينتهي الأمر بإجلاء بهيج عن حكم الجبلين، والذي كان يتخذ من قرية عقدة التي ينتسب لها العقيدات الزبيد عاصمة لها. وليرحل نحو العراق، ولتنشأ بعد ذلك إمارة قبيلة شمر بزعامة الضياغم وأمرائهم آل علي ثم آل الرشيد.

وبعد خروج بهيج بن ذبيان من عقدة تتابع لحاق الزبيد له نحو الشمال، من فرق الجبور والدليم والعزة واللهيب والبوسلطان وغيرها. وكان آخر من هاجر من الزبيد نحو الشمال هم الزبيد من أبناء علي السالم الصهيبي الذين كانوا يسكنون في عقدة ونواحيها. فسمووا بـ “العقيدات” تمييزاً لهم عمن سبقهم من أبناء عمومتهم إلى وادي الفرات الأوسط في سوريا والعراق.

وكانت هجرة العقيدات في بدايات القرن الحادي عشر الهجري(1010إلى 1030 هجرية) الموافق لبدايات القرن السابع عشر الميلادي (1600 إلى 1630 ميلادية). فيما يعرف بآخر الهجرات البدوية الكبرى التي ذكرها العلامة وصفي زكريا في كتابه “عشائر الشام”.

إلا أنّ بهجياً بعد ذلك قد غزا حائل مع بعض قومه لأخذ الثأر. فقتل تسعين رجلاً من الجعفر الضياغم وتيتّم أبناؤهم، وسمّي هذا الفخذ من الجعفر باليتمان، ولا يزالوا يعرفون به حتى الآن. ثمّ رجع لدياره الجديدة في الجزيرة الفراتية في سوريا والعراق. وقد ذكر هذه الحادثة كل من المؤرخ عبد الرحمن بن زيد السويداء، والعلامة حمد الجاسر، وهي مشهورة عند قبيلة عبدة الضيغمية.

تاريخ العقيدات الحديث

تحدث العلّامة أحمد وصفي زكريا في كتاب “عشائر الشام”، وماكس فون أوبنهايم في موسوعته “كتاب البدو”. والعلامة كامل الغزّي في كتابه “نهر الذهب في تاريخ حلب” عن المعارك الطاحنة التي حدثت في تلك الفترة بين قبيلة العقيدات الزبيدية وبين سرايا الدولة العثمانية. والتي انتهت بإخضاع العقيدات مؤقتًا، وتوطينها على ضفاف نهر الفرات في أرياف دير الزور وإجبارها على ترك الغزو، والحد من نجعتها وترحالها.

وقد ساعد في ذلك سياسة التحفيز والتطميع التي مارستها الدولة العثمانية، بإعطاء البدو صكوك استملاك لأراضي شاسعة جداً. ورغد العيش وحلاوته الناجمة عن الاستقرار وعن المردود المادي الكبير لمحاصيل الحبوب التي بدأ البدو في زراعتها. فكان لذلك أن تقل حركة ترحالهم ونجعتهم، لتصبح محدودة في نطاق 150 كيلو متر، بحيث أنهم كانوا يسكنوا صيفاً على ضفاف نهر الفرات في أكواخهم، ويرحلون شتاءً نحو البادية ليسكنوا في بيوت الشعر، فقلّ امتلاكهم للإبل وزاد امتلاكهم للشياه. لينتقلوا من نمط حياة البدو الرحل إلى نمط حياة البدو نصف رحل. وقد ذكر العلامة أحمد وصفي زكريا في كتاب عشائر الشام، أنهم كانوا يملكون 1300 بعير مقابل 60000 من الشياه عام 1917 ميلادية.

وما إن انسحب العثمانيون من محافظة دير الزور السورية الحدودية مع العراق عام 1918م. حتى ثار العقيدات على الإنجليز، الذين كانوا قد وصلوا من العراق إلى ديارهم وجرت فيها معارك عديدة في الصالحية ووادي علي وتل مدقوق في شتاء سنة 1919 م وربيعها. دارت فيها الدائرة على الإنجليز وقتل المئات منهم، رغم طائراتهم وسياراتهم المسلحة.

وقد أسقط العقيدات وقتها عددًا من هذه الطائرات، واستولوا على عدد من تلك السيارات وذبحوا ركابها. فانسحب الإنجليز إلى وراء الحد الذي رسموه وراء مدينة القائم العراقية، وتركوا الديار لأهلها وكانت تلك الأحداث هي شرارة ثورة العشرين في العراق.

معارك العقيدات ضد المستعمر الفرنسي

ثم جاء الفرنسيون سنة 1920 م بعد إحتلالهم لدمشق وحلب نحو دير الزور ووادي الفرات لإخضاعه. وكانوا بقيادة ترانكا، فقاومتهم فرقة من العقيدات وخربت الجسور في طريقهم. إلى أن بلغوا دير الزور واحتلوها في ديسمبر سنة 1920م لكن العقيدات لم يرق لهم الأمر وشرعوا يناوئوهم.

نهبت عشيرة من العقيدات قافلة عسكرية قادمة من حلب، وهاجمت عشيرتين منها سرية فرنسية جنوب دير الزور، وفتكتا بها. ولما قصفتهم الطائرات قاموا وهاجموا مطار دير الزور وأحرقوا سبع طائرات، فجاءت حملة عسكرية فرنسية كبيرة من مدينة حلب بقيادة الزعيم دييفور. فقام بجيشه ومدافعه بمهاجمة الضفة اليسرى لنهر الفرات بقرية خشام التي كان يسكنها عشيرة صغيرة من قبيلة العقيدات.

ولما أحس هؤلاء بالجيش أبعدوا نساءهم وعيالهم وحلالهم للضفة الأخرى من النهر، واستعدوا للقتال، واستبسلوا وفتكوا بالمهاجمين. وكان أحدهم حين ينفد عتاده، يلقي بنفسه إلى نهر الفرات ويسبح للضفة الأخرى وينجو بنفسه. ثم زحف دييفور بجيشه إلى البصيرة عند مصب نهر الخابور فدافعت العشائر عن نفسها بقوة، إلى أن سقطت البصيرة تحت قصف الطائرات وقذائف المدافع. وقد مني جيش دييوفر في هذه المعركة بخسائر جسيمة اعترف بها الكتاب الذهبي لجيوش الشرق.

واستمرت معارك العقيدات ضد المستعمر حتى معركة الجلاء الأخيرة في قرية المصلخة. والتي اتخذت فيما بعد اسم (قرية الجلاء ) كرمزاً تاريخياً لجلاء آخر مستعمر من المنطقة على يد الزعيم كسار الجراح وأبناء قبيلته. لتتحرر منطقتهم قبل تحرر القطر السوري بسنة كاملة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى