الأغباني.. حرفة دمشقية عريقة متوارثة عبر الأجيال
دعاء رحيل
الأغباني هو نوع من النسيج الأبيض الذي يطرز بخيوط من حرير أصفر أو قصب. هذه الحرفة هي أصلها دمشقية، ثم انتشرت في بعض الدول العربية. يعتبر الأغباني من مفاخر دمشق وتراثها الثقافي والحضاري، حيث يستخدم في صناعة الأزياء والمفروشات والهدايا. يتميز الحرفي السوري الذي يعمل بطبع الأغباني بحس مرهف وخبرة عريقة متوارثة عبر الأجيال.
أصول حرفة الأغباني والتطريز في سوريا
تشير المصادر التاريخية إلى أن أولى تجارب صناعة النسيج تمت على أرض سورية، حيث عرفت هذه المنطقة الأصبغة الطبيعية وعملية تلوين الملابس منذ عصر الفينيقيين، الذين نقلوها من خلال تجارتهم إلى مختلف أنحاء العالم. كما اكتشف في مدينة أوغاريت، التابعة لسوريا القديمة، أول نوطة موسيقية في التاريخ، مما يدل على ارتباط النسيج بالموسيقى والشعر.
في العهدين اليوناني والروماني، ذاع صيت المطرزات السوريات بشكل كبير، حيث نقلها الصليبيون بعدئذ إلى أوروبا وإلى العديد من دول المعمورة. كان التطريز يستخدم لزخرفة الملابس والستائر والأثاث، وكان يستخدم أحجار الكرستال واللؤلؤ والذهب والفضة في التطريز لإضافة جمالية ورونق للقطع.
«الأغباني» هو اسم يطلق على نوع من النسيج المطبوع بأشكال هندسية أو نباتية أو حيوانية باللون الأصفر، ثم يُطَرّز بخيوط من الحرير أو المخمل أو المجدول. يُعتَبر «الأغباني» حرفةً دمشقيةً بامتياز، ثم امتدّت وانتشرت فيما بعد في بعض الدول العربية. يُستخدَم «الأغباني» في صناعة الملابس والستائر والأغطية والكروشية.
متى ظهر الأغباني؟
لا يوجد تاريخ محدد لظهور هذه الصناعة، لكن بعض المصادر تشير إلى أن كلمة “الأغباني” تركية الأصل وتعني “الزخرفة على القماش”. كما توثق بعض المصادر وجود هذه الصناعة في المجتمع السوري ومدينة دمشق تحديداً منذ العهد العثماني، حيث كانت تخضع لنظام حرفي متطور. وعلى الأرجح ظهرت هذه الصناعة في القرن الثامن عشر.
كيف يصنع الأغباني؟
الأغباني يمر بعدة مراحل قبل أن يصل إلى الشكل النهائي:
– تحضير الخيوط: تنسج خيوط من حرير طبيعي أو قصب، ثم تصبغ بالألوان المطلوبة.
– طباعة الزخارف: تطبع رسومات نباتية وزخارف عربية على قطعة من النسيج باستخدام قوالب خشبية خاصة.
– التطريز: تطرز قطعة النسيج بإبرة وخيط حسب نوع التطريز المطلوب، سواء كان طلس أو رش أو نافر.
– التنظيف: تنظف قطعة النسيج من علامات القوالب والأوساخ.
– التكسير: تكسر قطعة النسيج بآلة خاصة لإبراز جمال التطريز.
– التكوير: تكور قطعة النسيج بآلة أخرى لإزالة التجاعيد.
– التغليف: تغلف قطعة النسيج بورق أو بلاستيك لحمايتها من التلف.
تاريخ الحرفة
حرفة الأغباني هي حرفة يدوية فاخرة تعبر عن تراث دمشق وضواحيها، وتتميز بتطريز القماش بخيوط الحرير الطبيعية والذهبية والفضية. تعود أصول هذه الحرفة إلى فترة الحكم العثماني، حيث كانت تصنع خصيصاً للمسؤولين والعلماء والأثرياء. وقد أبدعت فيها النساء اللواتي تعلمنها منذ صغرهن من أمهاتهن وخالاتهن وعماتهن، وأصبحت جزءاً من جهاز عروسهن.
إلا أن هذه الحرفة تعرضت للاندثار بسبب الحروب والأزمات التي شهدتها سورية، وخصوصاً في مدينة دوما التي كانت مركزاً لإنتاج الأغباني. فقد نزحت معظم الحرفيات من المدينة، وتوقفت عن العمل لسنوات. لكن بعد تحرير دوما من الإرهاب، عادت بعض السيدات إلى استئناف حرفتهن، بدعم من جمعية “الوفاء التنموية” التي أسست مركزاً لتدريب وتشغيل السيدات في هذا المجال.
وبذلك، تلعب هذه الحرفة وراً مهماً في المجتمع، فهي تحافظ على هوية وثقافة دمشق، وتعزز قدرات وإبداعات النساء، وتساهم في تحسين دخلهن وظروفهن المعيشية. كما تشكل حافزاً للأجيال الجديدة للتعلم والابتكار في هذا المجال. ولذلك، يجب دعم هذه الحرفة والحفاظ عليها كجزء من التاريخ والحضارة السورية.