د. محمد السعيد إدريس يكتب :تركيا وتحديات الجولة الثانية
يعتقد كثيرون، عن خطأ، أن جولة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأولى التي جرت في تركيا يوم الأحد الماضي «قد انتهت دون حسم». ربما تكون هذه الجولة قد فشلت في حسم اسم المرشح الرئاسي الفائز في هذه الانتخابات، لكنها من الناحية الموضوعية نجحت في إثبات فشل الرهان الأكبر لكل من المرشحين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية: رجب طيب أردوغان الرئيس الحالي مرشح «تحالف الشعب» وكمال كليتشدار أوغلو مرشح «تحالف الأمة». سقط رهان أردوغان في وعد تجديد شباب الأردوغانية أو إعادة إحياء «العثمانية الجديدة». أثبتت نتائج الانتخابات أن أردوغان لم يعد مقنعاً أو مبهراً بما فيه الكفاية، وأن ثقة الشعب في وعوده لم تعد تلقى الاستجابة المعهودة من الشعب. فقد رفض أكثر من 50% من الشعب هذه الوعود، وهم من صوتوا للمرشح كمال كليتشدار أوغلو (44,88%) وللمرشح الثالث سنان أوغان (5,17%). لم يحصل أردوغان إلا على أصوات 49,51% من الشعب التركي، هم المؤيدون لتحالف الشعب الذي يضم «حزب العدالة والتنمية» وحزب «الحركة القومية» اليميني. فالأزمة الاقتصادية، أو بالأحرى فشل السياسات الاقتصادية لحكومة أردوغان التي فاقمت من نسبة التضخم وانهيار القيمة السوقية للعملة الوطنية، والعجز عن إدارة نكبة الزلزال، وترويج المعارضة لمعلومات تؤكد تجذر الفساد في إدارات الدولة، والأعداد الهائلة للمهاجرين السوريين التي جرى تحميلها جزءاً كبيراً من الأزمة الاقتصادية، كلها مشاكل أثرت كثيراً في الناخبين الذين بلغ عددهم 65 مليون ناخب، وعلى الأخص في قطاعات الشباب التي تتمتع بما لا يقل عن 10% من إجمالي الناخبين.
الأمر ذاته ينطبق على منافسه أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري (الكمالي الأتاتوركي) رئيس «تحالف الأمة» الذي يضم ستة أحزاب متعددة الهوية بين الإسلامي والعلماني والليبرالي والقومي. فقد رفع أوغلو شعار التغيير، ووعد الناخبين بأن «ربيع تركيا قادم»، لكن فاقد الشيء لا يعطيه، فالرجل يمكن وصفه بأنه «قيادة بيروقراطية» وليس زعيماً سياسياً يملك الكاريزما القادرة على إقناع الناخبين، فهو كبير السن (74 سنة)، بدا عاجزاً عن إقناع الشباب بجدية شعار التغيير الذي يبشر به. رفض كليتشدار دعوة حليفته ميرال أكشينار زعيمة حزب «الصالح» باختيار أيٍّ من شباب قيادات حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه للترشح للانتخابات الرئاسية، وخاصة أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول أومنصور ياواشي رئيس بلدية أنقرة، لكنه رفض.
فضلاً عن ذلك، خاض أوغلو المعركة الانتخابية بتحالف يضم ستة أحزاب ذات ولاءات وأيديولوجيات مختلفة، ما يعنى أنه ترأس تحالفاً متعدد المشارب والاتجاهات، الأمر الذي أفقده الثقة لدى الناخبين، لأنه بهذه التوليفة الحزبية، قادر على قيادة مشروع وطني للتغيير والتقدم.
معظم الناخبين كانوا على ثقة بأن هذه الأحزاب الستة المخالفة لم تجتمع على شيء إلا على هدف إسقاط أردوغان فقط، لذلك لم تحظَ دعوتها للتغيير بالثقة الكافية. في ذات الوقت دخل هذا التحالف في شراكة انتخابية مع «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي، واتهمهم أردوغان بدعم الإرهاب لتحالفهم مع هذا الحزب المتهم بأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني المتهم بالإرهاب، وبتحالفهم أيضاً مع «حركة الخدمة» بقيادة فتح الله غولن المتهمة بقيادة المحاولة الانقلابية عام 2016. كما أخطأ أوغلو بتأكيد ميوله نحو الغرب والولايات المتحدة، في وقت ركزت فيه دعاية أردوغان على أن الولايات المتحدة تسعى إلى «كسر إرادة الاستقلال الوطني» لتركيا.
في ظل كل هذه الظروف الصعبة، تبدو الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية مفعمة بالتحديات الصعبة. فالرئيس أردوغان بحاجة إلى أصوات المرشح الرئاسي الثالث سنان أوغان الذي بدأ خوض معركة ابتزاز للمرشحين، فهو يريد مناصب وزارية في الحكومة الجديدة، ويريد موقفاً محدداً من قضيتي اللاجئين السوريين والإرهاب الكردي. وهو هنا يعرقل طموحات أردوغان كما يعرقل طموحات أوغلو، فهو يطالب أردوغان بسياسة تنهي وجود اللاجئين، ويطالب كليتشدار أوغلو بإنهاء تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي. أما أوغلو فيواجه تحديات أصعب، أولها يتعلق بغياب الثقة في مشروع التغيير الذي وعد به، خاصة العودة إلى النظام البرلماني بدلاً من النظام الرئاسي، في ظل فوز تحالف الشعب بقيادة أردوغان بالأغلبية البرلمانية، ثانيها صعوبة الحفاظ على استمرار توحد القاعدة الانتخابية للتحالف الذي يترأسه. كيف يمكن مواجهة هذه التحديات؟ السؤال صعب وبالذات للرئيس أردوغان المطالَب الآن بتحقيق اختراق سياسي كبير يستعيد به ثقة الناخبين؟